وحكما كقولنا : الصلاة واجبة ، أو حكما لا موضوعا كالزنى حرام في دين الله. واذا فقدت القضية هذه النسبة فما هي من الدين وشرعه في شيء ، وقضايا العبادات بكاملها شرعية وتوقيفية موضوعا وحكما ، فالشارع وحده يحدد موضوعها ويبين حكمها ، لأنه هو الذي صممها ورسمها واستحدثها بكامل ما فيها من شروط وأجزاء.
أما قضايا المعاملات وما اليها فهي شرعية توقيفية في حكمها فقط. والموضوع يحدده الناس بلغة مصطلحاتهم وحوارهم حيث لا اختراع واصطلاح للشارع فيها ، وانما موقفه منها موقف التقرير أو الإلغاء أو التقليم والتطعيم.
والعبادات التي تكلم عنها الفقهاء واشترطوا فيها نية القربة هي الوضوء والتيمم والاغسال المعروفة ، وأفردوا لهذه المجموعة بابا خاصا بعنوان «الطهارة». وأيضا الصلاة والزكاة والخمس والصوم والحج ، ولكل واحد من هذه الموضوعات الخمسة باب مستقل في كتب الفقه.
ولا يختلف فقيه مع آخر في أن ألفاظ العبادات بكاملها كالصوم والصلاة والحج والزكاة ـ قد أعطاها الإسلام مدلولا جديدا خاصا ، وان هذه الألفاظ قد أصبحت أسماء حقيقية للمعنى الجديد تستعمل فيه بلا قرينة ، كل هذا لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في نسبة هذه الحقيقة وتسميتها : هل ننسبها الى الشارع ونسميها حقيقة شرعية لأن الوضع حدث في عهده لا من بعده ، أو ننسبها الى المتشرعين الملتزمين بالدين وشريعته فقهاء كانوا أم أميين ، ونسميها حقيقة متشرعية لأن الوضع حدث بعد الشارع لا في عهده؟.
هذا هو بالذات جوهر النزاع والصراع في الحقيقة الشرعية .. أما ثمرته وفائدته فتظهر ـ على حد قول المختلفين ـ فيما إذا وردت كلمة الصلاة وما اليها من العبادات في كلام الشارع بلا قرينة ، فبناء على ان هذه الحقيقة الموجودة بالفعل هي شرعية لا متشرعية ـ تحمل كلمة الشارع على المعنى الشرعي. وبناء على انها متشرعية لا شرعية تحمل على المعنى اللغوي الذي كان قبل الشرع والشارع.
وفي رأينا أن هذا النزاع لا جدوى منه إلا تكثير الكلام ، إذ لا يرتبط به أي حكم شرعي ، ولا تبتني عليه أية مسألة فقهية. ودليلنا على ذلك أقوال الفقهاء المختلفين أنفسهم ، وهي بين أيدينا ، فما وجدنا فقيها واحدا حمل لفظ الصلاة