كون العلم بنفسه مرآة لمتعلّقه امور الأوّل ما عرفت من عدم الحاجة الى جعله حجّة اعنى وسطا لمتعلّقه وانّ العقل يحكم بوجوب موافقته والاوامر الشرعيّة بوجوب متابعته انّما هى على وجه الإرشاد الثّانى انّه لا يكون قابلا لجعل الشّارع لأنّ الجعل امّا بسيط او مركّب والاوّل باصطلاح الحكماء هو الايجاد والخلق الّذى هو مفاد كان التّامّة كما قال تعالى (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) وبعبارة النّحاة ما يتعدّى الى مفعول واحد والثّانى هو التّصيير اى صيرورة الشّىء شيئا آخر وبعبارة النّحاة ما يتعدّى الى مفعولين فان أريد من مجعوليّة القطع المعنى الاوّل كان صحيحا بناء على اطلاق الشّارع على الله تعالى لانّ القطع من مخلوقاته ولكن لا يثمر فيما نحن فيه لانّ الكلام فى حجيّته لا فى وجوده وإن اريد من الجعل المعنى الثّانى فلا يصحّ لانّ هذا المعنى انّما يصحّ بين الشيء وما يمكن ثبوته له كعوارضه المفارقة وامّا بينه وبين ما كان ضرورىّ الثّبوت له فلا وحجّية القطع وتنجّز الواقع به انّما هو كالزّوجيّة للأربعة فكما لا يكون الزّوجيّة مجعولة لها بهذا الجعل فكذلك حجّية القطع لانّه امّا مرآة للواقع او يكون الواقع لازما لمؤدّى القطع وعلى كلا التّقديرين لا يصحّ الجعل بهذا المعنى لانّ جعل الحجّية حينئذ بمعنى تصيير الشّيء نفسه او لازمه لا شيئا آخر نعم يكون الحجّية مجعولة له بتبع جعله وايجاده كما انّ الزّوجيّة مجعولة كذلك للأربعة بالعرض ومن هذا يظهر انّ سلب صفة الحجّية عن القطع غير ممكن ويمتنع المنع عن تاثيره فانّ نفى الحجّية وتنجّز التّكليف عن القطع بالحكم مستلزم لنفى الملازمة وكما لا يمكن للشّارع نفى ذاتىّ الشّيء عنه لاستلزامه تخلّف الذّاتى كذلك لا يمكن له النّفى عن لازم الشّيء وسلبه والّا لزم الخلف مع انّه يلزم منه التّناقض حقيقة او اعتقادا على اختلاف القطع من جهة كونه مطابقا للواقع وعدمه فانّ حكم الشّارع بوجوب الاجتناب عن البول مناقض للنّهى عن اجتناب مقطوع البول لانّ القاطع يقطع بالبوليّة فيرد عليه وجوب الاجتناب واذا نهاه عنه لزم التّناقض فى مرتبة واحدة وهى مرتبة الحكم الواقعى لانّ الواقع بحاقّه الكشف ببركة القطع من دون توقّف لمرتبة اخرى غير تلك المرتبة فلا يتوهّم انّ الحكم فيها ظاهرىّ لا ينافى ما فى المرتبة الاخرى فانّ القطع كما عرفت يوصل الاحكام الخمسة التّكليفيّة بل الوضعيّة الواقعيّة كالطّهارة والنّجاسة الى مرتبة لا يتصوّر لها مرتبة اخرى ويصير علّة تامّة لموضوع حكم العقل بالتّنجيز وإذا لا يمكن سلب صفة الحجّية عنه تكون حجّية واجبة ولا يمكن اثباتها له لانّ الشّيء ما لم يكن ممكنا لا يكون مقدورا واذا لم يكن مقدورا لا يصحّ اثباته ونفيه لانّ القدرة بالنّسبة الى الوجود والعدم سواء واذا لا يمكن نفى شيء لا يمكن اثباته الثّالث انّ حجّية القطع لو كان بالجعل احتاج الى دليل ومن ذلك الدّليل امّا يحصل القطع او الظنّ فان حصل منه الظنّ فالعمل عليه دون القطع وذلك ترجيح المرجوح على الرّاجح وان حصل منه القطع فهذا القطع ايضا لا بدّ له من دليل يقوم على حجّيته وهكذا فيلزم التّسلسل الرّابع ما ستسمعه فى المتن من انّ الحجّة ما