قلنا : جهل المنعم مستلزم للإخلال بشكره على النعم ؛ لأن توجيه الشكر إلى المنعم مترتب على معرفته ضرورة ، والعقل يقضي ضرورة ب [وجوب] شكر المنعم ، وبقبح الإخلال به فوجبت معرفته لذلك.
ومعرفته لا تكون إلا بالنظر لامتناع مشاهدته تعالى كما يأتي بيانه إنشاء الله تعالى وما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه ، وإلا وقع الخلل في الواجب ، وقد قضى العقل بقبحه فتأمله. وقوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (٢) الآية ، ونحوها قالوا (٣) : لا يدرك بالعقل إلا الضروريات فقط ، فيدرك الإمام أو الشيخ ما يناسب حروف القرآن وغيره من سائر المغيبات ضرورة ، ثم يعلّمانه.
قلنا : العلم بأنا ندرك بالنظر ضروري ، كالعلم بأنا نروى بالماء ، ونشبع بالطعام.
وقولكم : يدرك الإمام أو الشيخ ما يناسب حروف القرآن وغيره من المغيبات ضرورة ـ مجرد دعوى منهما عليكم بلا دليل حيث لم تدركوا أنتم ذلك ضرورة مثلهما ، ولم تنظروا في صحة دعواهما لبطلانه عندكم ، وكل دعوى بلا دليل لا شك في بطلانه ا ، وإلا فما الفرق بين دعواهما ودعوى من يقول : المناسب والغائب (٤) خلاف ذلك.
__________________
(١) التعليمية ـ هكذا في الشرح المطبوع ـ وفي المتن التعليمة ، وهما فرقتان من الباطنية وغيرهم ، وهما القرامطة والصوفية ، وهؤلاء يقولون : إن النظر والاستدلال بدعة ، فالقرامطة يقولون : إن إمامهم يعلم ما يناسب حروف القرآن والمغيبات ضرورة ، ثم يعلمه الناس. والصوفية يقولون : إن شيخهم يعلم ذلك ضرورة ، ويعلمه الناس. وقال الإمام يحي في الشامل : « التعليمية : طوائف من الملحدة والزنادقة » وقال في المعراج : « التعليمية فرقة من الحشوية ، وهم كل من حشا في الأخبار الأقوال الباطلة.
(٢) الغاشية : ١٧.
(٣) أي : التعليمية.
(٤) أي : المناسب للحروف ، والغائب من المعلوم.