قضى حياته مهاجراً بين الأمصار ومتنقّلاً بين الأقطار بحثاً عن حديث أو رواية واستقرّ به المقام في بغداد وهي يوم ذاك مركز العالم الإسلامي وحاضرته العلمية والسياسية ، نشأت بها المدارس ودور العلم وازدهرت مجالس النظر والجدل وكانت مثابة العلماء وملتقى المتكلّمين ومنتدى الأدباء.
والعصر الذهبي للعلوم كان قرن الكليني «فقد رغب الأحداث في التأدّب والشيوخ في التأديب وانبعثت القرائح ونفقت أسواق الفضل وكانت كاسدة»(١) ، لقد نشطت الحركة العلمية واتّسعت المعارف والعلوم العقلية والنقلية ، فعلى النقيض من الحياة السياسية المضطربة الهوجاء كانت الحياة الفكرية والعهد العلمي في أخصب فترة وأزهى مرحلة حينها انبرى الكليني في الشروع بتدوين كافيه ، وقد كان أوّل فقيه إمامي محدّث يصل إلينا كتابه في الحديث ـ كموسوعة ـ بعد عصر النصّ أي الغيبة الصغرى عند الإمامية ، لأنّ الفقهاء كانوا يستمدّون نصوصهم التشريعية من الطبقة التالية لعصر الأئمّة عليهمالسلام.
إنّ الكافي من بين آثاره ـ وكلّها مفقودة ـ الأشهر ذيوعاً والأكثر صيتاً والأوثق نقلاً ، حتّى لقد عرف به فقيل كتاب الكليني :
«صنّف كتابه الكبير المعروف بالكليني يسمّى الكافي»(٢).
__________________
(١) تجارب الأمم ٦/٤٠٨.
(٢) رجال النجاشي : ٢٦٦.