إذن فإنّ كلام الجاحظ
وإن كان ظاهراً في تحامله وتغيُّظه على الشيعة إلاّ أنّ إشارته إلى شعر الكميت في الأبيات
التي ذكرت آنفاً لدليلٌ على اعترافه وإذعانه بقوَّة شاعرية الكميت وأنّه صاحب صناعة
شعريَّة ، أي أوّل من ناظر في الشعر وإنّ الجاحظ أراد أن يقدح فمدح وذلك كما يقول الشاعر
:
حسدوا الفتى إذ
لم ينالوا سعيه
|
|
فالناس أعداءٌ
له وخصوم
|
كضرائر الحسناء
قلن لوجهها
|
|
حسداً وبغضاً
إنّه لدميم
|
فلابدّ أن نميِّز الجانب
العقائديَّ التاريخيَّ من الجانب الأدبيِّ ونستخلص هذا من ذاك ، وإلاّ فقد ضيّعنا الجانب
الأدبيَّ حقّه ، وإن عاد الإشكال على كلام الجرميِّ الراوية أو العتابيِّ حيث ذكر العلاّمة
القول ولم ينسبه لأحد وذلك قوله رحمهالله : «وقال بعضهم :
... وهوأوّل من ناظر في التّشيُّع رامياً لم يكن في أسد أرمى منه ...» فيعود حينئذ الردّ نفس الردّ الّذي قدّمناه في استخلاص
الجانب الأدبيّ من الجانب العقائديّ التاريخيّ من كلام الجاحظ وأنّه ليس في هذا الكلام
الآخر إلاّ ثناءٌ ومدح وإطراءٌ وإنّ الراوية للشعر والأديب الشاعر كثيراً ما ينظران
إلى مجال تخصُّصهما فإذا أردنا أن نعوِّل على الردّ العقائديّ التاريخيّ دون استخلاص
الجانب الأدبيّ من إعطاء كلِّ جانب حقَّه الذي لابدَّ منه فلقائل أن يقول : ما هكذا
يا سعد تورد الإبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ