وأما خبر الحسن بن الجهم فهو ظاهر في الردع عن ضيق النفس من العمل بأمارية السوق ، الراجع لعدم سكون النفس للحكم الشرعي والمنافي للتسليم الكامل به ، وهو لا ينافي رجحان الاحتياط برجاء إدراك الواقع لمحض الانقياد مع الطمأنينة والتسليم بالرخصة ، كما قد يشهد به خبر أبي بصير : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الصلاة في الفراء. فقال : كان علي بن الحسين عليهالسلام رجلا صردا ... فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه ، فكان يسأل عن ذلك فقال : إن أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة ، ويزعمون أن دباغه ذكاته» (١).
وأما مرسل الفقيه فلعله وارد لدفع توهم كراهة الوضوء من فضل وضوء الغير ، وبيان استحبابه بلحاظ مصلحة التيسير ، من دون أن ينافي رجحان الاحتياط بتجنب الماء المذكور لو احتمل نجاسته. مع أنه لو كان رادعا عن الاحتياط حينئذ ، فلا يدل على الردع عنه ذاتا ، ليمنع من حسنه عقلا ، بل لمزاحمة مصلحة التيسير التي يهتم بها الشارع لحسن الاحتياط ، المستلزم لترجيح التيسير عقلا مع أهميته من دون أن ينافي حسن الاحتياط في نفسه ومشروعيته ، كما تقدم.
ومنه يظهر الحال فيما عن تفسير النعماني ، لأن مجرد رجحان الأخذ بالرخص لمصلحة التيسير لا ينافي رجحان الاحتياط أيضا بلحاظ مصلحة الواقع ، وغاية ما يلزم التزاحم بين الأمرين. على أنه قد يراد منه الرخص الواقعية بقرينة تطبيقه على التقية ، لا الظاهرية ، لينفع فيما نحن فيه. فتأمل.
على أن النصوص المذكورة واردة في الشبهة الموضوعية التي ورد التأكيد على السعة فيها.
__________________
(١) الوسائل ج : ٣ باب : ٦١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.