الماهية البدلية.
لكن هذا الوجه ـ كأكثر الوجوه المذكورة في كلماتهم ـ إنما ينهض ببيان الفرق بين الأمر والنهي من الجهة الأولى ، دون الثانية ، لوضوح أن توقف ترك الماهية على ترك تمام أفرادها الطولية والعرضية لا ينافي الاكتفاء بتحقق الترك المذكور في بعض أزمنة النهي ، كما هو الحال في الأمر ، ويحتاج إثبات لزوم استمرار الترك المذكور في تمام الأزمنة إلى وجه آخر.
ولعل الوجه في الفرق بينهما ما يستفاد من سيدنا الأعظم قدسسره وتوضيحه : أن مقتضى الأمر والنهي ليس هو الفعل والترك بمعناهما الاسمي ، كي يكون مقتضى إطلاق النهي الاكتفاء بتحقق الترك ـ لتمام الأفراد ـ ولو في بعض الأزمنة ، كما يكفي نظيره في الأمر ، لما هو الظاهر من عدم أخذ الفعل والترك بمعناهما الاسمي في متعلق الأمر والنهي ، بل ليس متعلقهما إلا الماهية مع اختلاف نحو النسبة إليها فيهما بالنحو المقتضي ارتكازا للفعل والترك بمعناهما الحرفي المطابق للنسبة في القضية الحملية الموجبة والسالبة. ولذا صح قيام الجملة الخبرية الحملية الموجبة والسالبة مقام الجملة المفيدة للأمر والنهي ، ولم يكن الفرق ارتكازا بين إرادة النفي والنهي إلا في سوق الأولى في مقام الحكاية ، والثانية في مقام الزجر ، مع التطابق بينهما في سعة المفاد.
وحينئذ يتجه الفرق المذكور بين الأمر والنهي ، لما هو المعلوم من أنه يكفي في صدق القضية الموجبة تحقق النسبة ولو في بعض الأزمنة ، ولا يكفي في صدق القضية السالبة إلا استمرار السلب في تمام الأزمنة ، ولذا كان التناقض ارتكازيا بين قولنا : ضرب زيد ، ولم يضرب. وكذا بين قولنا : يضرب زيد ، ولا يضرب ، بخلاف قولنا : فعل الضرب وتركه ، وكذا قولنا : يفعل الضرب ويتركه ، لأن الترك في الأخيرين مأخوذ بمعناه الاسمي الذي هو مفاد القضية المعدولة المحمول ، والذي يكفي فيه الترك في بعض الأزمنة.