والواضع الّذي
كان بصدد رفع ما يحتاج إليه الإنسان وتسهيل مضايق أمره يركّب من الحروف المتولّدة
عن التّنفس ألفاظا ويضع تلك الألفاظ بإزاء ما يتعقله أو يتصوّره الإنسان من أنحاء
المعاني وذلك كلّه للتّفهيم والتّفاهم الّذي يقتضيه المدنيّة الإنسانيّة لكنّه صرف
وضع الألفاظ المختلفة للمعاني المتشتّتة المتفرّقة ليس مفيدا في مقام التّفهيم
لأنّ تفهيم المعاني المتشتّتة بواسطة الألفاظ المختلفة التي ليس بينها ربط لا يفيد
المقصود إذ لا تفيد الألفاظ غير المربوطة إلّا المعاني غير المربوطة كإفادة ألفاظ
إنسان ، قيام ، زيد ، علم ، قعود ، عمرو ، معاني ، تلك الألفاظ فلا يحصل بها
المقصود الّذي تقتضيه حكمة الوضع.
فحكمة الوضع
كما تقتضي وضع تلك الألفاظ بإزاء تلك المعانيّ كذلك تقتضي بعينها وضع ألفاظ أخرى
لإفادة الارتباط بين المعاني وتلك الألفاظ هي ألفاظ الرّبط الّتي يعبّر عنها
بالحروف من قبيل من وإلى وقد وأن في اللّغة العربيّة ، فيقال سرت من البصرة إلى
الكوفة وإنّ زيدا قائم والإنسان عالم وأمثال ذلك في العربيّة ، كما هو الأمر كذلك
في ساير اللّغات وخلاصة الكلام أنّ تفهيم المعاني المرتبطة المعقولة يحتاج إلى
الألفاظ المرتبطة الملفوظ ربطها حتّى تفيد المقصود ويحصل بها تفهيم المقاصد على
الوجه الّذي قصدها وأرادها المتكلّم فألفاظ الحروف موضوعة بإزاء المعاني الحرفيّة
كما أنّ ألفاظ الأسماء موضوعة بإزاء المعاني الاسميّة. هذا تمام ما عندنا في تحقيق
الحروف لفظا ومعنا.
وأمّا على ما
أفاده المحقّق الخراساني (قده) تبعا للمحقّق الرّضيّ (قده) من أنّه لا فرق بين
الأسماء والحروف من حيث المعاني ، فيورد عليه أنّه يلزم من ذلك ترادف من وابتداء
بحيث يصحّ استعمال كلّ في مقام الآخر فأجاب عنه بأنّ خصوصيّة الاستقلال في الاسم
والغيريّة في الحرف ناشئتان من قبيل طور الاستعمال. ويمكن أن يوجّه هذه المقالة
بهذا التّقرير وهو أنّ الاستعمال من باب الاستفعال وهو بمعنى طلب العمل فيكون معنى
استعمال اللّفظ في المعنى هو طلب عمل اللّفظ في المعنى وعمل الألفاظ في المعاني
إنّما هو على أنحاء ، العمل الإيجاديّ الإيقاعيّ بأن يكون اللفظ بحيث إذا صدر من
اللّافظ الّذي كان قاصدا