فكيف تكون الأمارات حاكمة على الأصول كما قرّر في محلّه؟
قلت : لا بأس بالالتزام باتّحادهما في تلك النّتيجة ، إلّا أنّ حكومة الأمارات على الأصول إنّما هي ببركة دليل اعتبار الأمارات ، حيث إنّ لسان دليل الاعتبار في الأمارات هو البناء العمليّ على التّصديق العمليّ للعادل ولسان أدلة الأصول هو البناء العمليّ على فرض الشّكّ كما لا يخفى. هذا تمام الكلام في المورد الأوّل.
وأمّا الكلام في المورد الثّاني فليقرّر التّحقيق في ضمن الإيرادات والأجوبة.
إن قلت : على ما ذكرتم واستظهرتم من أدلّة اعتبار الأصول والأمارات وقلتم إنّ الظّاهر منها الإجزاء الواقعيّ وجعل النّاقص مصداقا حقيقيّا للمأمور به في ظرف الشّكّ في الواقع ، يلزم تنويع الحكم بالنّسبة إلى الجاهل والعالم كتنويعه بالنّسبة إلى المضطرّ والمختار وإلى المسافر والحاضر. كما يلزم أيضا تقييد الحكم الواقعيّ على ما هو عليه من الإطلاق بالحكم الظّاهريّ مع أنّ التّقييد في باب الإطلاق والتّقييد وكذا الحكومة أو التّخصيص في باب العامّ والخاصّ من شئون التّعارض والتّعارض إنّما هو بين الحكمين لشيء واحد في مرتبة واحدة نظير أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة فإنّه لما كان ظهور المقيّد في دخالة خصوصيّة الإيمان أقوى من ظهور تمام موضوعيّة المطلق في الحكم يقيّد به إطلاق المطلق.
وأمّا إذا فرضنا الحكمين في الرّتبتين المتغايرتين بأن يكون الشّك في أحدهما موضوعا في الآخر فكيف يعقل التّعارض كي يحكم بالتّخصيص أو الحكومة تنقيحا للمأمور به مضافا إلى أنّ هذا التّنقيح بالحكومة أو التّخصيص لا يكاد يعقل في الأحكام الّتي يكون الموضوع فيها الشّك في الواقع ، فإنّه يلزم ألا يكون حكم ثابت في الواقع عند الشّكّ فيه ومع عدم الحكم كيف يعقل الشّكّ فيه وهذا ليس إلّا التّصويب الدّوريّ المحال في خصوص الشّبهة الحكميّة. مضافا إلى أنّ نفس الأدلّة الدّالّة على الأحكام الظّاهريّة إنّما تدلّ بظاهرها على وجود الحكم الواقعيّ الثّابت على الإطلاق حتّى عند الجهل به فإنّ الرّفع المستفاد منها إنّما هو الرّفع التّنزيليّ الامتنانيّ لا الرفع الحقيقيّ التّكوينيّ ومعنى الرّفع الامتنانيّ هو الثّبوت