الأرض المباركة وهي الشام (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) قيل : يعني أنها بالشام فليست من شرق الأرض ولا من غربها ، وأجود الزيتون زيتون الشام ، وقيل : هي منكشفة تصيبها الشمس طول النهار ، فليست خالصة للشرق فتسمى شرقية ، ولا للغرب فتسمى غربية بل هي غربية شرقية ، لأن الشمس تستدير عليها من الشرق والغرب ، وقيل : إنها في وسط دوحة لا في جهة الشرق من الدوحة ولا في جهة الغرب ، وقيل : إنها من شجرة الجنة ولو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) مبالغة في وصف صفائه وحسنه (نُورٌ عَلى نُورٍ) يعني اجتماع نور المصباح وحسن الزجاجة وطيب الزيت ، والمراد بذلك كمال النور الممثل به (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) أي يوفق الله من يشاء لإصابة الحق.
(فِي بُيُوتٍ) يعني المساجد ، وقيل : بيوت أهل الإيمان من مساجد أو مساكن ، والأول أصح ، والجار يتعلق بما قبله : أي كمشكاة في بيوت ، أو توقد في بيوت ، وقيل :
بما بعده وهو يسبح ، وكرر الجارّ بعد ذلك تأكيدا ، وقيل : بمحذوف : أي سبحوا في بيوت أذن الله أن ترفع ، والمراد بالإذن الأمر ، ورفعها بناؤها ، وقيل : تعظيمها (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي غدوة وعشية وقيل : أراد الصبح والعصر وقيل : صلاة الضحى والعصر (رِجالٌ) فاعل يسبّح على القراءة بكسر الباء ، [من يسبح] وأما على القراءة بالفتح فهو مرفوع بفعل مضمر يدل عليه الأول (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) أي لا تشغلهم ، ونزلت الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة تركوا كل شغل وبادروا إليها ، والبيع من التجارة ، ولكنه خصه بالذكر تجريدا كقوله : فاكهة ونخل ورمان ، أو أراد بالتجارة الشراء (تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) أي تضطرب من شدة الهول والخوف ، وقيل : تفقه القلوب وتبصر الأبصار بعد العمى ، لأن الحقائق تنكشف حينئذ ، والأول أصح كقوله : (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) [الأحزاب : ١٠] ، وفي قوله «تتقلب فيه القلوب» تجنيس (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ) متعلق بما قبله ، أو بفعل من معنى ما قبله (أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) تقديره جزاء أحسن ما علموا (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) يعني زيادة على ثواب أعمالهم (بِغَيْرِ حِسابٍ) ذكر في البقرة.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) لما ذكر الله حال المؤمنين أعقب ذلك بمثالين لأعمال الكافرين : الأول يقتضي حال أعمالهم في الآخرة ، وأنها لا تنفعهم ، بل يضمحل ثوابها كما يضمحل السراب ، والثاني يقتضي حال أعمالهم في الدنيا ، وأنها في غاية الفساد والضلال كالظلمات التي بعضها فوق بعض ، والسراب هو ما يرى في الفلوات