فالألف واللام للعهد ، والأظهر أنها للجنس فتعم أبا جهل وغيره (كَالْمُهْلِ) (١) هو درديّ الزيت ، وقيل ما يذاب من الرصاص وغيره (فَاعْتِلُوهُ) أي سوقوه بتعنيف (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) المصبوب في الحقيقة إنما هو الحميم وهو الماء الحار ، ولكن جعل المصبوب هنا العذاب المضاف إلى الحميم مجازا لأن ذلك أبلغ وأشد تهويلا ، وقد جاء الأصل في قوله في الحج [١٩] (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ)(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) يقال هذا للكافر على وجه التوبيخ والتهكم به ، أي كنت العزيز الكريم عند نفسك ، وروي أن أبا جهل قال : ما بين جبليها أعز مني ولا أكرم. فنزلت الآية (تَمْتَرُونَ) تفتعلون من المرية وهو الشك.
(فِي مَقامٍ أَمِينٍ) قرأ نافع وابن عامر بضم الميم أي موضع إقامة ، والباقون بفتحها أي موضع قيام والمراد به الجنة ، والأمين من الأمن أي مأمون فيه ، وقيل : من الأمنة وصف به المكان مجازا (مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) السندس الرقيق من الديباج والإستبرق الغليظ منه (كَذلِكَ) في موضع رفع أي الأمر كذلك ، أو في موضع نصب أي مثل ذلك زوّجناهم (يَدْعُونَ فِيها) أي يدعون خدامهم (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) استثناء منقطع ، والمعنى لا يذوقون فيها الموت : قد ذاقوا الموتة الأولى خاصة قبل ذلك ، ولو لا قوله فيها لكان متصلا لعموم لفظ الموت ، وقيل : إلا هنا بمعنى بعد وذلك ضعيف (يَسَّرْناهُ) أي سهلناه والضمير للقرآن (بِلِسانِكَ) أي بلغتك وهي لسان العرب (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) أي ارتقب نصرنا لك وإهلاكهم ، فإنهم مرتقبون ضدّ ذلك ، ففيه وعد له ووعيد لهم.
__________________
(١). كالمهل يغلي : قرأ ابن كثير وحفص بالياء والباقون : تغلي بالتاء.