فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (٧٠) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ (٧١) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (٧٣) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ (٧٤) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)
________________________________________________________
وأخيه ، ويحتمل أن يكون لفتيانه : أي لا تبالي بما تراه من تحيلي في أخذك (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) السقاية هي الصواع ، وهي إناء يشرب فيه الملك ويأكل فيه الطعام ، وكان من فضة ، وقيل من ذهب ، وقصد بجعله في رحل أخيه أن يحتال على إمساكه معه إذ كان شرع يعقوب أن من سرق استعبده المسروق له.
(ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) أي نادى مناد (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) أي أيتها الرفقة (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) خطاب لأخوة يوسف ، وإنما استحل أن يرميهم بالسرقة لما في ذلك من المصلحة من إمساك أخيه ، وقيل : إن حافظ السقاية نادى : إنكم لسارقون ، بغير أمر يوسف وهذا بعيد لتفتيش الأوعية (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) أي لمن وجده ورده حمل بعير من طعام على وجه الجعل (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أي ضامن لحمل البعير لمن ردّ الصواع ، وهذا من كلام المنادي (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ) أي استشهدوا بعلمهم لما ظهر لهم من ديانتهم في دخولهم أرضهم ؛ حتى كانوا يجعلون الأكمّة في أفواه إبلهم لئلا تنال زروع الناس (قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) أي قال فتيان يوسف : ما جزاء آخذ الصواع إن كنتم كاذبين في قولكم : وما كنا سارقين ، فالضمير في قوله جزاؤه يعود على الأخذ المفهوم من الكلام (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) المعنى أن إخوة يوسف أفتوا فيما سئلوا عنه فقالوا : جزاء السارق أن يستعبد ، ويؤخذ في السرقة ، وأما الإعراب فيحتمل وجهين : الأول : أن يكون جزاؤه الأوّل مبتدأ ومن مبتدأ ثان وهي شرطية أو موصولة ، وخبرها فهو جزاؤه ، والجملة خبر جزاؤه الأول ، والوجه الثاني : أن يكون من خبر المبتدأ الأول على حذف مضاف ، وتقديره جزاؤه أخذ من وجد في رحله وتم الكلام. ثم قال فهو جزاؤه أي هذا الحكم جزاؤه (وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) من كلام إخوة يوسف أي هذا حكمنا في السراق ، وقد كان هذا الحكم في أول الإسلام ، ثم نسخ بقطع الأيدي (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ) هذا تمكين للحيلة ورفع للتهمة (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) ليصح له بذلك إمساكه معه ، وإنما أنث الصواع في هذا الموضع لأنه سقاية ، أو لأن الصواع يذكر ويؤنث.
(كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) أي صنعنا له هذا الصنع (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) أي في شرعه أو عادته ، لأنه إنما كان جزاء السارق عنده أن يضرب ويضاعف عليه الغرم ، ولكن حكم في هذه القضية آل يعقوب (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) يعني الرفعة بالعلم