وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١)
________________________________________________________
عبارة وتفسير فلا موضع لها من الإعراب ، ولا ناهية جزمت الفعل ، وقيل : أن مصدرية في موضع رفع تقديره : الأمر ألا تشركوا ، فلا على هذا نافية ، وقيل : أن في موضع نصب بدلا من قوله ما حرم ، ولا يصح ذلك إلا إن كانت لا زائدة وإن لم تكن زائدة فسد المعنى لأن الذي حرم على ذلك يكون ترك الإشراك ، والأحسن عندي أن تكون أن مصدرية في موضع نصب على البدل ولا نافية ولا يلزم ما ذكر من فساد المعنى ، لأن قوله ما حرم ربكم : معناه ما وصاكم به ربكم بدليل قوله في آخر الآية : ذلكم وصاكم به فضمن التحريم معنى الوصية ، والوصية في المعنى أعمّ من التحريم ، لأن الوصية تكون بتحريم وبتحليل ، وبوجوب وندب ، ولا ينكر أن يريد بالتحريم الوصية لأن العرب قد تذكر اللفظ الخاص وتريد به العموم ، كما تذكر اللفظ العام وتريد به الخصوص ، إذ تقرر هذا ، فتقدير الكلام : قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم ، ثم أبدل منه على وجه التفسير له والبيان ، فقال : أن لا تشركوا به شيئا ، أي وصاكم ألا تشركوا به شيئا ووصاكم بالإحسان بالوالدين ، ووصاكم أن لا تقتلوا أولادكم ، فجمعت الوصية ترك الإشراك وفعل الإحسان بالوالدين وما بعد ذلك ويؤيد هذا التأويل الذي تأولنا : أن الآيات اشتملت على أوامر : كالإحسان بالوالدين وقول العدل والوفاء في الوزن ، وعلى نواهي : كالإشراك وقتل النفس ، وأكل مال اليتيم ، فلا بد أن يكون اللفظ المقدم في أولها لفظا يجمع الأوامر والنواهي ، لأنها أجملت فيه ، ثم فسرت بعد ذلك ، ويصلح لذلك لفظ الوصية لأنه جامع للأمر والنهي ، فلذلك جعلنا التحريم بمعنى الوصية ويدل على ذلك ذكر لفظ الوصية بعد ذلك ، وإن لم يتأول على ما ذكرناه : لزم في الآية إشكال ، وهو عطف الأوامر على النواهي ، وعطف النواهي على الأوامر ، فإن الأوامر طلب فعلها ، والنواهي طلب تركها ، وواو العطف تقتضي الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولا يصح ذلك إلا على الوجه الذي تأولناه من عموم الوصية للفعل والترك.
وتحتمل الآية عندي تأويلا آخر ، وهو : أن يكون لفظ التحريم على ظاهره ، ويعم فعل المحرمات ، وترك الواجبات لأن ترك الواجبات حرام (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) الإملاق الفاقة ، ومن هنا للتعليل تقديره : من أجل إملاق ، وإنما نهى عن قتل الأولاد لأجل الفاقة ، لأن العرب كانوا يفعلون ذلك ، فخرج مخرج الغالب فلا يفهم منه إباحة قتلهم بغير ذلك الوجه (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) قيل ما ظهر : الزنا ، وما بطن : اتخاذ الأخدان والصحيح أن ذلك عموم في جميع الفواحش (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) فسره قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث :