تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (٣٧) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ
________________________________________________________
كأنه قال يفتدوا بذلك ، أو تكون الواو بمعنى مع (عَذابٌ مُقِيمٌ) أي دائم ، وكذلك : نعيم مقيم (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) عموم الآية يقتضي قطع كل سارق ؛ إلا أن الفقهاء اشترطوا في القطع شروطا خصصوا بها العموم ؛ فمن ذلك من اضطره الجوع إلى السرقة لم يقطع عند مالك ؛ لتحليل الميتة له ، وكذلك من سرق مال والده أو سيده ، أو من سرق من غير حرز ، [مكان محفوظ] أو سرق أقل من النصاب ، وهو عند مالك ربع دينار من الذهب ، أو ثلاثة دراهم من الفضة ، أو ما يساوي أحدهما ، وأدلة التخصيص بهذه الأشياء في غير هذه الآية ، وقد قيل : إن الحرز مأخوذ من هذه الآية ، لأن ما أهمل بغير حرز أو ائتمن عليه ، فليس أخذه سرقة وإنما هو اختلاس أو خيانة ، وإعراب السارق عند سيبويه مبتدأ ، وخبره محذوف : كأنه قال فيما يتلى عليكم السارق والسارقة ، والخبر عند المبرد وغيره فاقطعوا أيديهما ، ودخلت الفاء لتضمنها معنى الشرط (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) الآية : توبة السابق هي أن يندم على ما مضى ، ويقلع فيما يستقبل ، ويردّ ما سرق إلى من يستحقه ، واختلف إذا تاب قبل أن يصل إلى الحاكم ، هل يسقط عنه القطع وهو مذهب الشافعي لظاهر الآية؟ أو لا يسقط عنه وهو مذهب مالك ؛ لأن الحدود عنده لا تسقط بالتوبة إلا عن المحارب للنص عليه (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) قدم العذاب على المغفرة لأنه قوبل بذلك تقدم السرقة على التوبة.
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) الآية : خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم على وجه التسلية (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) هم المنافقون (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) يحتمل أن يكون عطفا على الذين قالوا آمنا ، ثم يكون سماعون استئناف إخبار عن الصنفين المنافقين واليهود ، ويحتمل أن يكون من الذين هادوا : استئنافا منقطعا مما قبله ، وسماعون راجع إليهم خاصة (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) أي سماعون كلام قوم آخرين من اليهود الذين لا يأتون النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ لإفراط البغضة والمجاهرة بالعداوة ، فقوله : لم يأتوك صفة لقوم آخرين ، والمراد بالقوم الآخرين يهود خيبر ، والسماعون للكذب بنو قريظة (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) أي يبدلونه من بعد أن يوضع في موضعه ، وقصدت به وجوهه القويمة ، وذلك من صفة اليهود (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ) نزلت بسبب أن يهوديا زنى بيهودية ؛ فسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم اليهود عن