عليه ، وإن كانت النسبة بينهما هي العموم من وجه.
وسرّ الفرق بينهما : أنّ التقديم في التخصيص إنّما كان لأجل أنّ ظهور الخاصّ في مصاديقه أقوى من ظهور العامّ في مصاديق الخاص ، أو أنّ الخاصّ نصّ ، والعامّ ظاهر ، والنصّ والأظهر يقدّمان على الظاهر عادة ، أو أنّ الخاصّ بمنزلة القرينة على المراد الجدّي ، والظهور لا يتجاوز الكشف عن المراد الاستعمالي للآمر ، ومن عدم القرينة على تغاير المراد الاستعمالي للمراد الجدّي نستفيد تطابقهما ، فإذا جاءت القرينة على المغايرة لم يبق مجال للاستدلال ـ بما يكشف عن المراد الاستعمالي ـ على المراد الجدي.
ولكن ذلك لا يتأتّى في العامّين من وجه ؛ لأنّ نسبة كلّ منهما إلى موضع الالتقاء من حيث الظهور نسبة واحدة ، فلا يصلح أن يكون أحدهما قرينة على التخصيص بالنسبة إلى الآخر ، ومن هنا التزمنا بالتساقط في العامّين من وجه عند تعارضهما في موضع الالتقاء.
ولكنّ لسان الحكومة لمّا كان لسان شرح وبيان للمراد من الأدلّة الأوّلية ، كان قرينة على كلّ حال ، فلا بدّ أن ينزّل ذو القرينة عليها عرفا.
ومن هنا لم يلحظ العلماء النسبة في أدلّة العناوين الثانوية مع العناوين الأوّلية ، ولا أدلّة الرخصة مع العزيمة ، فيعارضون بينها ، مع أنّ النسبة بينها ـ في الغالب ـ هي نسبة العموم من وجه.
والسرّ في ذلك هو ما قلناه من تقديم العرف لهذا النوع من الأدلّة بعد أن كان لسانه لسان بيان وشرح للمراد من الأدلّة الأوليّة. (١)
ومن هنا تتّضح حكومة أدلّة (لا ضرر) على الأدلّة الأوّلية ؛ لأنّ لسان هذه الأدلّة لسان شرح وبيان للمراد من أدلّة الأحكام الأوّلية ، فكأنّ الشارع قال : إنّ مرادي من
__________________
١ ـ الأصول العامّة للفقه المقارن : ٨٢ ـ ٨٣. بتصرّف.