فالضرار إذا ليس ناشئا من حقّه في الدخول بغير استئذان ـ وإن كان ذلك منشأ الشكوى من قبل الأنصاري ـ وإنّما هو ناشئ من حكم الشارع بحقّه في إبقاء الشجرة في تلك الدار ؛ لذلك نفى الشارع حكمه ببقاء ذلك الحقّ ، بتطبيق (لا ضرار) عليه ، بعد أن صدق عليه أنّه رجل مضارّ.
أمّا أمره بقلع الشجرة فإنّما هو نظير مجيء الأمر بعد توهّم الحظر ؛ لا يراد منه جعل حكم جديد ، وإنّما هو إيذان برفع حقّه في إبقاء الشجرة ، فكأنّه قال له : إنّ الشارع رفع عنك حقّه في إبقاء الشجرة في بيتك ما دام هذا الحقّ مولّدا لتعنّت سمرة في إلقاء الضرر عليك ؛ لذا لا حظر عليك في رفعها.
الشبهة الثانية : سقوط القاعدة لكثرة التخصيص
وشبهة أخرى أثارها الشيخ الأنصاري حول هذه القاعدة وهي : سقوطها لكثرة ما طرأ عليها من تخصيص. (١) لوضوح أنّ العرف لا يطمئنّ في محاوراته إلى عموم تتوارد عليه التخصيصات ، فتخرج أكثر مصاديقه عن مجالات دلالته ، بل لا يعمدون إلى هذا الأسلوب في التعبير عن مرادهم ؛ استهجانا له. والشارع سيّد البلغاء في أساليب أدائه ؛ فلا يعقل أن يلجأ إلى استعمال ما يستهجنونه في أساليب الحوار.
وبما أنّ حديث «لا ضرر» في حدود ما قرّبنا به دلالته ناف للتكاليف المحدثة للضرر ، ونحن نعلم أنّ في الشريعة أحكاما موضوعاتها ضررية ، كالأحكام المتعلّقة بالضرائب المالية التي تحتاج إليها الدولة لتقويم بنيتها الاجتماعية ، والأحكام المتعلّقة بالعقوبات المالية والبدنية وغيرها ، فلا بدّ من الالتزام بتخصيص القاعدة بهذه الأحكام ، فيكون مدلول القاعدة : كلّ حكم أحدث امتثاله الضرر فهو منفيّ في الشريعة الإسلامية ، إلّا في الخمس ، إلّا في الزكاة ، إلّا في الضمان ، إلّا في القصاص ، إلّا في
__________________
١ ـ فرائد الأصول ٢ : ٤٦٤ ـ ٤٦٥.