وإلى جانب هذا نلاحظ أنّ الشيخ بهجرته إلى النجف قد انفصل في ـ أكبر الظنّ ـ عن تلامذته وحوزته العلمية في بغداد ، وبدأ ينشئ في النجف حوزةً فتيةً حوله من أولاده أو الراغبين في الالتحاق بالدراسات الفقهية من مجاوري القبر الشريف ، أو أبناء البلاد القريبة منه ، كالحلّة ونحوها ، ونمت الحوزة على عهده بالتدريج ، وبرز فيها العنصر المشهدي ـ نسبةً إلى المشهد العلوي ـ والعنصر الحلّي ، وتسرّب التيار العلمي منها إلى الحلّة.
ونحن حين نرجِّح أنّ الشيخ بهجرته إلى النجف انفصل عن حوزته الأساسية وأنشأ في مهجره حوزةً جديدةً نستند إلى عدّة مبرّرات :
فقبل كلِّ شيءٍ نلاحظ أنّ مؤرّخي هجرة الشيخ الطوسي إلى النجف لم يشيروا إطلاقاً إلى أنّ تلامذة الشيخ الطوسي في بغداد رافقوه أو التحقوا به فور هجرته إلى النجف ، وإذا لاحظنا ـ إضافةً إلى ذلك ـ قائمة تلامذة الشيخ التي يذكرها مؤرّخوه نجد أنّهم لم يشيروا إلى مكان التلمذة إلّا بالنسبة إلى شخصين جاء النصّ على أنّهما تلمّذا على الشيخ في النجف ، وهما : الحسين بن المظفّر بن عليّ الحمداني ، والحسن بن الحسين بن الحسن بن بابويه القمّي وأقرب الظنّ فيهما معاً أنّهما من التلامذة المحدثين للشيخ الطوسي.
أمّا الحسين بن المظفّر فقد ذكر الشيخ منتجب الدين في ترجمته من الفهرست (١) : أنّه قرأ على الشيخ جميع تصانيفه في الغري ، وقراءته لجميع تصانيف الشيخ عليه في النجف يعزِّز احتمال أنّه من تلامذته المحدثين الذين التحقوا به بعد هجرته إلى النجف ، إذ لم يقرأ عليه شيئاً منها قبل ذلك التأريخ ، ويعزّز ذلك أيضاً أنّ أباه المظفّر كان يحضر درس الشيخ الطوسي أيضاً ، ومن قبله
__________________
(١) فهرست منتجب الدين : ٤٣ ، الرقم ٧٣