تضمّها وتستوعب كلّ ما كشف عنه الفحص والبحث العلمي من رواياتٍ وكتب أحاديث.
وعلى هذا الضوء قد يمكن أن نعتبر العمل في وضع تلك الموسوعات الضخمة التي انجزت في تلك الفترة عاملاً من العوامل التي عارضت نموّ البحث الاصولي إلى صفّ الحركة الأخبارية ، ولكنّه عامل مبارك على أيِّ حال ؛ لأنّ وضع تلك الموسوعات كان من مصلحة عملية الاستنباط نفسها التي يخدمها علم الاصول.
وبالرغم من الصدمة التي مُنِي بها البحث الاصولي في تلك الفترة لم تنطفئ جذوته ، ولم يتوقّف نهائياً ، فقد كتب الملا عبد الله التوني ـ المتوفّى سنة ١٠٧١ ه ـ «الوافية في الاصول» ، وجاء بعده المحقّق الجليل السيد حسين الخونساري ـ المتوفّى سنة ١٠٩٨ ه ـ وكان على قدرٍ كبيرٍ من النبوغ والدقّة ، فأمدَّ الفكر الاصولي بقوةٍ جديدةٍ كما يبدو من أفكاره الاصولية في كتابه الفقهي «مشارق الشموس في شرح الدروس» ، ونتيجةً لمرانه العظيم في التفكير الفلسفي انعكس اللون الفلسفي على الفكر العلمي والاصولي بصورةٍ لم يسبق لها نظير.
ونقول : انعكس اللون الفلسفي لا الفكر الفلسفي ؛ لأنّ هذا المحقّق كان ثائراً على الفلسفة ، وله معارك ضخمة مع رجالاتها ، فلم يكن فكره فكراً فلسفياً بصيغته التقليدية وإن كان يحمل اللون الفلسفي ، فحينما مارس البحث الاصولي انعكس اللون ، وسرى في الاصول الاتّجاه الفلسفي في التفكير بروحيةٍ متحرّرةٍ من الصيغ التقليدية التي كانت الفلسفة تتبناها في مسائلها وبحوثها ، وكان لهذه الروح أثرها الكبير في تأريخ العلم فيما بعد ، كما سنرى إن شاء الله تعالى.