من بعض الحيوانات أيضا.
ملخّص الكلام : أنّ حقيقة الوضع حقيقة عرفيّة في المحاورة وأنّها سهلة التناول والمأخذ ، ولا يلحق بها أمثال هذه الدقّة والتحقيق الذي تكون أذهان الخاصّة في غفلة غالبا عنها ، فكيف بأذهان العامّة من الواضعين الغافلين عن مثل هذه التحقيقات والاستعارات الدقيقة المختصّة بطبقة خاصّة من أهل الأدب في المحاورات !
وثانيا : أنّ هذا القائل قد غفل عن الغرض من انتخاب وضع الألفاظ للمعاني ، لأنّ الغرض من الوضع ليس إلّا استعمال اللفظ في المعنى ليدلّ عليه ، وليكون اللفظ دالّا والمستعمل فيه مدلولا عليه بدلالة ذلك اللفظ ليفهم منه ذلك المعنى. وقد عرفت أنّ الدلالة اللفظيّة ليست إلّا بين شيئين أحدهما الدالّ والآخر المدلول ، فإذن اعتبار الوحدة بينهما بأن يكون وجود اللفظ وجودا للمعنى أيضا لغو وعبث ، وصدور ذلك لا يناسب شأن الواضع الحكيم بالقطع واليقين ، فخذ واغتنم.
وأمّا ما ذكره أخيرا ، ففيه أنّ لحاظ اللفظ آلة في مقام الاستعمال لا يستلزم أن يكون كذلك في مقام الوضع ، لأنّ حال واضع الألفاظ أشبه شيء بحال صانع المرآة ومستعملها كمثل مستعملها ، فكما أنّ صانع المرآة في مقام صنعها يلاحظها استقلالا ، وفي مرحلة استعمالها يلاحظها آليّا فكذلك الواضع في وضع الألفاظ ، إذ أنّه في مقام الوضع لا مناص من أن يلاحظ الألفاظ مستقلّا وفي مرحلة الاستعمال يلاحظها آليّا.
القول الثالث : اعلم أنّ بعض مشايخنا المحقّقين قدسسره (١) قد التزم بأنّ حقيقة الوضع أمر اعتباري في الألفاظ يدلّ على المعنى كاختصاص الدوالّ نظير العلم
__________________
(١) قاله الآخوند الملّا علي النهاوندي في تشريح الاصول : ٢٥.