يكون سماع اللفظ علّة تامّة لانتقال الذهن إلى معناه ـ من الأباطيل التي تعرفها الجهّال ، فضلا عن الفضلاء والعلماء الكبار ؛ إذ كيف يمكن تصوّر تمكّن شخص من الإحاطة بتمام اللغات فضلا عن لغة واحدة ، مع أنّ الالتزام بالدلالة الذاتيّة ملازم لتلك الإحاطة الكاذبة التي ينبغي التوقّف في بطلانها عند من له الاطلاع باللغات والمعاني.
إلّا أن يقال : إنّ المراد من الدلالة الذاتيّة يكون هو الارتباط بين اللفظ والمعنى الحاصل بينهما بهذه المناسبة المذكورة التي توجب أن يكون سماع اللفظ مقتضيا لانتقال الذهن إلى معناه ، بمعنى الدلالة الاقتضائية ، لا العلّة التامّة ، يعني أنّ الوضع يكون مقتضيا عند سماع اللفظ لانتقال الذهن إلى المعنى المراد من ذلك اللفظ في كيان الدلالة الاقتضائيّة في قبال العلّة التامّة.
ولكنّ الحقّ والإنصاف ، أنّ ذلك وإن كان بمكان من الإمكان ثبوتا ، وقابلا للاختلاف والنزاع ؛ إذ لا يتصوّر مانع عن الالتزام بذلك عقلا من ثبوت هذا السنخ من المناسبة بين تلك الألفاظ والمعاني الموضوعة لها ، كمثال الملازمة الراسخة بين الشيئين والأمرين فيما كانت هي ثابتة في الواقع الأزلي من دون احتياج إلى تصرّف من بيده الاعتبار من المعتبرين وتصوّر لحاظ فرض أيّ فارض ، سواء كان طرفاه من الإمكانيات أو من المستحيلات أو مختلفين ، لأنّ صدق أحدهما غير متوقّف على صدق الطرف الآخر ، بل هي ثابتة وصادقة مع عدم إمكانهما واستحالتهما كما في قول الله تبارك وتعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(١) نعم إنّ سنخ ثبوتها غير سنخ ثبوت المقولات نظير الجواهر والأعراض ، ولأجل ذلك هي غير داخلة تحت شيء منهما.
__________________
(١) الأنبياء : ٢٢.