غير مورد ، ولا مانع منه أصلا إذا تعلّق الغرض به ودعت الحاجة إلى الإتيان بذلك.
وقد بقي الكلام في كيفية منشأ حدوث الاشتراك في اللغة والمحاورة ، ولا يخفى عليك أنّ ذلك عبارة عن الجهة الثانية من البحث في الاشتراك ، وإنّما المشهور بين الأصحاب أنّ منشأ حدوث الاشتراك في اللغة يكون هو الوضع فقط تعيينا كان أو تعيّنا.
ولكن قد نقل شيخنا الاستاذ قدسسره (١) عن بعض المحقّقين من أهل التاريخ في الأزمنة المتأخّرة ، وهو المؤرّخ المعروف باسم جرجي زيدان أنّه قال في كتابه : إنّ سبب حدوث الاشتراك كانت شتات اللغات في البلدان المختلفة في الزمان الأوّل ، إذ أبناء أهل اللسان بما أنّهم كانوا متباعدين في أماكن بعيدة من دون تشكيل اجتماعات بينهم كزماننا هذا ، كانت كلّ طائفة منهم مختصّة باسم مخصوص لمعنى خاصّ.
فلفظ (عين) مثلا في لغة الحجاز كان اسما للعين الجارية ، وهذا اللفظ بعينه في لغة اليمن أو العراق كان اسما للعين الباكية ، وفي البحرين والكويت كان اسما للذهب ، وبعد تحصيل التجمّع والتمدّن الجديد والحديث وجمع اللغات بالكتابة من قبل المتفحّصين من أرباب التخصّص في هذا الفن من المصنّفين خلطت اللغات وحدث الاشتراك عند فقدان الامتيازات التي كانت مختصّة بطائفة دون اخرى.
فيقولون : إنّ لفظ العين بوضع الواضع وضعت لتلك المعاني الثلاثة باشتراك اللفظ ، مع أنّ الأمر في الواقع ليس كذلك ، بل كان لفظ العين بالوضع المعيّن
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ١ : ٥١.