المعنى الأخير وفيه نظر (قوله) يناسب الإحباط إلخ لأن تعقيب الإطاعة بحرمة الإبطال يناسب جعل الإطاعة الواقعة على وجه الصّحة باطلة لا النّهي عن إيجادها باطلة من أوّل الأمر وأنت خبير بأنّ ظاهر الآية هو النّهي عن إبطال الأعمال لأجل عدم الإطاعة لا عن إبطالها بعد وقوعها صحيحة بالإطاعة فالآية إنّما تناسب المعنى الثّاني من معاني الإبطال دون الأوّل منها(قوله) لا إبطال شيء إلخ وإن كان هو الجزء المتقدّم من العمل ليشمل ما نحن فيه (قوله) هذا إن قلنا بالإحباط إلخ فيه إشعار بنوع تردد له في القول بالإحباط وهو كما ترى خلاف مذهب محققي المتكلمين كما صرّح به الطريحي بل خلاف مذهب الإماميّة طرّا كما حكي التّصريح به عن اللاّهيجي وغيره والعجب من المحقق القمي قدسسره حيث صرّح بحقيقة هذا القول لأنّ اللاّزم له الجزم ببطلانه ولا بأس بأن نشير إلى بعض الكلام في ذلك فنقول قد حكي عن الأشاعرة القول بنفي استحقاق الثواب والعقاب بالأعمال الصّالحة والطّالحة وأن كلا من الثواب والعقاب منوط بالمشية فإن شاء الله عذّب المطيع وإن شاء أثاب العاصي وأنكره الباقون فمنهم من قال بعدم استحقاق العقاب بالمعصية مع الإيمان وبعدم استحقاق الثواب مع الكفر وهو المحكي عن المرجئة ومنهم من قال بعدم استحقاق الثواب بالأعمال الصّالحة وهو المحكي عن أبي الحسين البلخي قال لأن إيجاب هذه التكاليف وقع شكرا للنّعم الّتي أنعم الله بها فلا يستحق بها مكلّف ثوابا وأبطله المحقّق الطّوسي بأنّ إيجاب المشقة في شكر النّعم قبيح عند العقلاء إذ يقبح عقلا أن ينعم الإنسان على غيره نعمة ثم يكلفه ويوجب عليه شكره على تلك النّعمة من غير أن يصل إليه ثواب والقبيح لا يصدر عن الله تعالى فتعين أن يكون إيجاب التكاليف لاستحقاق الثّواب ومنهم من قال باستحقاق الثواب بالعمل الصّالح واستحقاق العقاب بالعمل الطّالح وهذه الفرقة قد اختلفت بين من قال بالإحباط والتكفير والمراد بالأوّل أن يسقط الثواب المتقدّم بالمعصية المتأخرة وبالثاني أن تكفر الذنوب المتقدّمة بالطاعة المتأخرة وهذا محكي عن جماعة من المعتزلة ومن قال بأنّ النّاس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا وهو محكي في كلام جماعة عن المحققين بل الإمامية قاطبة كما حكي عن اللاهيجي في رسالته المسماة بسرماية إيمان وصرّح المحقق الطوسي قدسسره ببطلان القول الأوّل من دون تأمّل واختلف القائلون بالإحباط على قولين أحدهما المحكي عن أبي علي على اختلاف النقل عنه قال القوشجي قال أبو علي إن المتأخر يسقط المتقدّم ويبقى هو على حاله انتهى وظاهره أن المتأخر بأيّ وجه كان يسقط المتقدّم زائدا كان أم لا ويبقى هو بحاله ونقل الآمدي والشيخ الطّريحي أنّ الطّاعات تحبط المعاصي إن كانت زائدة وتبقى بحالها والعكس وأوضحه الطّريحي بأنّ أحد الاستحقاقين لو كان خمسة والآخر عشرة فإنّ الخمسة تسقط وتبقى العشرة بحالها قال ويسمّى الإحباط ونقل الإمام الرّازي عنه أن يقدر الطارئة من المعاصي تحبط السّابقة من الطاعات من غير أن ينتقص منه شيء فإن بقي من الطّاعات زائد على قدر المعاصي أثيب وإلاّ فلا وثانيهما محكي عن أبي هاشم وهو أن ينتفي الأقل بالأكثر وينتفي من الأكثر بالأقلّ ما ساواه ويبقى الزّائد مستحقا وإن تساويا صارا كأن لم يكن وهذا هو الموازنة قال الطّريحي قد أبطلهما يعني القولين المحققون من المتكلمين بأنّ ذلك موقوف على بيان وجود الإضافات في الخارج كالأخوة والبنوة وعدمهما فقال المتكلمون بالعدم لأنّها لو كانت موجودة في الخارج مع أنّها عرض مفتقر إلى محل يكون لها إضافة إلى ذلك المحلّ فنقول فيها كما قلنا ويلزم في الأول التّسلسل وهو باطل ويلزم منه بطلانها في الخارج لأنّ ما بني على الباطل باطل وقول الحكماء بوجودها لا يلزم منه الوجود الخارجي بل الذهني وتحقيق البحث في محلّه انتهى واستدل المحقق الطّوسي على بطلانهما أولا باستلزام القول بالإحباط للظّلم لأنّ من أطاع وأساء وكان إساءته أكثر يكون بمنزلة من لم يحسن ومن كان إحسانه أكثر كان بمنزلة من لم يساو إن تساويا يكون كمن لم يصدر عنه أحدهما وليس كذلك عند العقلاء وثانيا بقوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) والإيفاء بوعده واجب وأقول وقال سبحانه أيضا (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) وقال تعالى (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) وقال عزوجل (أَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ). (الْعامِلِينَ) وقال سبحانه (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ). (أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) ومن السنة قوله عليهالسلام النّاس مخيّرون بأعمالهم إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا فإن قلت الآيات معارضة بمثلها أو أكثر منها قال الله تعالى (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) وقال سبحانه (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) وقال عزوجل (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) وقال جلّ وعلا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) على المعنى الذي استظهره المصنف رحمهالله منه قلت إنّه قد حمل الآية الأولى على أنّ الحسنات تصير سببا لتوفيق الاحتباس عن السّيئات والثّانية والثّالثة على أن الإتيان ببعض الحسنات على بعض الوجوه الرّدية قد يوجب عدم استحقاق الثواب عليه والرّابعة على ما تقدم عند شرح قول المصنف رحمهالله يناسب الإحباط إلخ مع أنّ الظنّي المنقول لا يعارض العقلي المقطوع به فيصير من المشتبهات ثمّ إن الشيخ الطّريحي قد نقل عن بعض المحققين ما لا معدل عنه في تحقيق المقام به قال قال بعض المحققين استحقاق الثواب مشروط بالموافاة لقوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ولقوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) الآية وقوله تعالى (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) فمن كان من أهل الموافاة ولم يلبس إيمانه بظلم كان ممن يستحقّ الثواب الدّائم مطلقا ومن كان من أهل الكفر ومات على ذلك استحق العقاب الدّائم مطلقا ومن كان ممّن خلط عملا صالحا وآخر سيّئا فإن وافي بالتوبة استحق الثّواب مطلقا وإن لم يواف بها فإمّا يستحق ثواب إيمانه أو لا والثّاني باطل لقوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) فتعين الأوّل فأمّا أن يثاب ثم يعاقب وهو باطل بالإجماع لأن من يدخل الجنّة لا يخرج منها فحينئذ يلزم بطلان العقاب أو يعاقب ثمّ يثاب وهو المطلوب ولقوله عليهالسلام في حقّ هؤلاء يخرجون من النّار كالحمم أو كالفحم فيراهم أهل الجنّة فيقولون هؤلاء الجهنميون فيؤمر بهم فيغمسون في عين الحيوان فيخرجون واحدهم كالبدر ليلة تمامه وأقول من هذا البيان يظهر أيضا بطلان القولين المتقدمين وقال الطّريحي أيضا ولو قيل ببطلان الإحباط والموازنة والقول بالتكفير من باب العفو والتفضل لم يكن بعيدا وظواهر الأدلّة يؤيّده وهو لا ينافي التحقيق المذكور ثمّ إنّ للمعتزلة والخوارج قولا بأن معصية واحدة تحبط جميع الطّاعات حكاه في المواقف (قوله) أو بالنّسبة إلى بعض المعاصي إلخ قال الطريحي وفي الدّعاء وأعوذ بك من الذنب المحبط للأعمال وفسّر بالعجب (قوله) وببالي أني وجدت إلخ عن العيون في باب ما جاء عن الرّضا عليهالسلام من الأخبار المجموعة بإسناده قال قال