عليهما(قوله) ومنها قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) إلخ الآية في أوائل سورة بني إسرائيل ولا يذهب عليك أنّ جريان أصالة البراءة لما كان موقوفا على عدم الدّليل العقلي والشّرعي في موردها لأنّ المستدلّين بالآية هم الأصوليّون القائلون بالملازمة بين حكم العقل والشّرع وكان ظاهر الآية نفي التّكليف مع عدم البيان النقلي مطلقا سواء كان هنا دليل عقلي أم لا احتاج المصنف رحمهالله في الاستدلال بها إلى إثبات إحدى مقدّمات الأولى أن يكون بعث الرّسول كناية عن بيان التّكليف مطلقا سواء كان بالنّقل أم العقل الثّانية أن تبقى الآية على ظاهرها ويقال بكونها من قبيل المخصّص بالمخصّص المنفصل وهو ما دلّ على اعتبار العقل الثّالثة أن تبقى الآية على ظاهرها من إرادة البيان النّقلي من دون التزام استثناء أصلا ويدّعى عدم منافاتها لملازمة حكم العقل لحكم الشّرع بأن يقال إنّ الملازمة بينهما إنّما هي في الحكم بحسن فعل أو قبحه بمعنى أنّ العقل إذا حكم بحسنه أو قبحه فالشّرع أيضا يحكم بذلك وبكون فاعله مستحقّا للعقاب إلاّ أنّه لا ينافى عدم ترتب العقاب الفعلي على ارتكاب فعل حكم العقل بقبحه ولم يرد النّهي عنه شرعا كما هو مقتضى الآية وبالجملة أنّ الملازمة في الحكم بالقبح والاستحقاق لا تلازمها فعليّة ترتب العقاب على ارتكاب هذا القبيح نظير حرمة الظّهار المتعقّبة بالعفو بقوله تعالى (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) على ما يراه الشّهيد الثّاني وحرمة نيّة السّوء الّتي ورد في الأخبار أنّها لا تكتب والوجه في عدم ترتّب العقاب على مخالفة ما حكم بقبحه العقل مع عدم ورود النّهي عنه شرعا ما أشار إليه المصنف رحمهالله من كون تأكّد العقل بالشّرع لطفا واجبا على الله تعالى وعلى كلّ تقدير فالآية لا تنافي الملازمة المذكورة وما أورد عليه المصنف رحمهالله من كون ظاهرها إخبارا عن وقوع التعذيب سابقا في الأمم الماضية والقرون الخالية البعث والبيان فلا تشمل نفي العقاب الأخروي من دون بيان ضعيف جدّا لأنّ ظاهرها أنّها إخبار عن عدم جريان عادته وسجيّته سبحانه ولو في الأمم السّابقة على التّعذيب من دون بيان لأنّ معناها ما كان من شأننا وسجيّتنا التّعذيب حتّى نبعث ونبيّن الأحكام للعباد فهي بإطلاقها تشمل العقاب الدّنيوي والأخروي كما هو صريح الطّبرسي في تفسيره ولا ريب أنّ مقتضى الحكمة أن لا تتغيّر عادته ولا تتبدّل سجيّته في القرون اللاّحقة إن لم تكن هذه الأمة المرحومة أولى بذلك مع أن لفظة كان قد تستعمل للدلالة على استمرار خبرها لاسمهما نحو وكان الله عليما حكيما أي لم يزل عليما حكيما في الماضي والحال والاستقبال نعم يرد على المقدّمة الأخيرة أنّ تسليم كون فاعل ما يستقلّ بحسنه مستحقّا للعقاب ومبغوضا عند الشّارع وإن لم يكن معاقبا بالفعل مناف لما وجب على الله تعالى من اللّطف بتأكيد الأحكام العقليّة بالسمعيّة لأنّ كون العبد مبغوضا للشارع ومستحقّا لسخطه أشدّ من التّعذيب بالنّار عند ذوي العقول والأبصار فكما أنّ العقاب بلا بيان ينافي اللّطف كذلك الاستحقاق بلا بيان إن لم يكن أولى فإن قلت إنّ غاية ما تدلّ عليه الآية مع تسليم المقدّمات المتقدّمة هو نفي فعليّة العقاب بلا بيان لا نفي الاستحقاق أيضا ولا يستلزم كون محتمل الحرمة غير حرام ولو في الظّاهر لأنّ الحرام ما يستحق فاعله العقاب لا ما يعاقب عليه فعلا ونفي الفعليّة لا ينفي الاستحقاق أيضا قلت مع أنّ مقتضى البراءة كما سيجيء في محلّه هو مجرّد نفي العقاب لا نفي الحكم الواقعي إنّ الخصم يسلّم عدم الاستحقاق على تقدير ثبوت عدم الفعلية كما صرّح به المصنف رحمهالله وستعرفه عنه شرح كلامه (قوله) ثم إنّه ربّما يورد التّناقض إلخ المورد هو المحقق القمي رحمهالله أورده على الفاضل التّوني حيث استدلّ في مسألة البراءة بالآية عليها وفي مسألة الحسن والقبح ردّ على من منع الملازمة بين حكم العقل والشّرع مستدلاّ بها عليه بأنّ نفي فعليّة التّعذيب أعمّ من نفي الاستحقاق ومنع الملازمة إنّما يتمّ على الثّاني دون الأوّل قال والعجب عن بعض الأعاظم حيث جمع في كلامه بين الاستدلال بالآية لأصل البراءة ودفع الإشكال الوارد على الآية بالأحكام العقليّة الإلزاميّة بجواز العفو عن الله تعالى انتهى وحاصل ما أورده من التّناقض أنّ مقتضى الاستدلال بالآية على أصالة البراءة هو نفي الحكم المستتبع لنفي الاستحقاق ومقتضى الردّ على المانع بما ذكره نفي فعليّة التّعذيب بالعفو عنه مع تسليم أصل الاستحقاق والتنافي بينهما واضح (قوله) والإنصاف أنّ الآية لا دلالة لها إلخ أمّا عدم دلالتها على أصالة البراءة فلما أورده على المستدلّ بها عليها وأمّا عدم دلالتها على عدم الملازمة فلما صرّح به من كون محلّ النّزاع هناك هو إثبات الملازمة بين حكم العقل والشّرع في الاستحقاق خاصّة ومجرّد نفي فعليّة التّعذيب كما هو مقتضى الآية لا ينفيها(قوله) ومنها قوله تعالى (ما كانَ اللهُ لِيُضِلَ) إلخ هذه الآية في سورة التّوبة وتقريب الاستدلال أنّ المراد بقوله ليضلّ إما هو الحكم بالضّلالة أو التّعذيب في الدّنيا والآخرة والوجهان يظهران من بعض المفسّرين أو الخذلان في مقابل الهداية والتّوفيق كما يظهر من المصنف رحمهالله وهذه الأمور كلّها مرتبة على معصيته سبحانه فإذا نفتها الآية قبل بيان ما يجب اجتنابه من الأفعال والتّروك ثبت عدم تحقق المعصية والمخالفة قبل وصول البيان من الشّارع وإن كان الفعل المأتي به محتملا للحرمة في الواقع والمتروك للوجوب كذلك والمصنّف رحمهالله قد حمل الآية على الوجه الثّالث وأجاب عنها تارة بما تقدّم في سابقتها من كونها إخبارا عن عادته تعالى في الأمم الماضية وأخرى بمنع استلزام توقف الخذلان على البيان لتوقف تنجّز التّكليف عليه كما هو المدّعى وذلك لأنّ معنى الآية ما كان الله ليخذل قوما بسلب أسباب التّوفيق والتوكيل إلى النّفس فيما يتعلق بالمعاش والمعاد إلا بعد بيان الواجبات والمحرّمات وعليه تكون مرتبة الخذلان بعد بيان الأحكام إلاّ أنّ الآية لا تدل على عدم التّكليف قبل البيان لوضوح عدم استلزام توقّف الخذلان عليه كما هو ظاهر الآية لتوقف التّكليف عليه اللهمّ إلا أن يتمسّك بالفحوى بأن يقال إن الخذلان إذا توقف التعذيب الذي هو أشدّ منه عليه بطريق أولى وأنت خبير بأن خذلانه سبحانه للعبد إنّما هو بعد بيان ما يرضيه ويسخطه من الواجبات والمحرّمات ومخالفة العبد له وبعد إيعاده عليه مرّة بعد أخرى بإنزال البلايا والشّدائد بل بعد بيان المكمّلات من الأعمال الموجبة للمراتب العلية والدّرجات الرّفيعة من المستحبّات وغيرها فإذا استمرّ العبد على ما أصرّ عليه استحق الخذلان الّذي هو أشدّ من الدّخول في النّيران إذ من البعيد خذلانه سبحانه للعبد بعد بيان الواجبات والمحرّمات بمجرّد مخالفته له تعالى فيهما من دون إصرار أو استمرار على ما أصرّ عليه كيف لا وبيان ما يرضيه ويسخطه من الواجبات والمحرّمات واجب عليه سبحانه من باب اللّطف وبالجملة أنّ استحقاق