والضّلال وهم أهل الوعيد الذين وعدهم الله الجنّة والنار وهم المؤمنون والكافرون المستضعفون والمرجون لأمر الله إما يعذّبهم وإما يتوب عليهم والمعترفون بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا وأهل الأعراف وفيه عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال قلت أصلحك الله ما تأمرني أنطلق فأتزوّج بأمرك فقال لي إن كنت فاعلا فعليك بالبلهاء من النّساء قلت وما البلهاء قال ذوات الخدور العفائف فقلت من هي على دين سالم بن أبي حفصة قال لا فقلت من هي على دين ربيعة الرّأي فقال لا ولكن العواتق اللواتي لا ينصبن كفرا ولا يعرفن ما تعرفون قلت وهل تقدر أن تكون مؤمنة أو كافرة فقال تصوم وتصلّي وتتقي الله ولا تدري ما أمركم فقلت قد قال الله عزوجل هو الّذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن لا والله لا يكون أحد من النّاس ليس بمؤمن ولا كافر قال فقال أبو جعفر عليهالسلام قول الله أصدق من قولك يا زرارة أرأيت قول الله عزوجل (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) قال فلمّا قال عسى قلت ما هم إلاّ مؤمنين أو كافرين قال فقال فما تقول في قوله عزوجل (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) إلى الإيمان قلت ما هم إلاّ مؤمنين أو كافرين فقال والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ثم أقبل علي فقال ما تقول في أصحاب الأعراف قلت ما هم إلاّ مؤمنين أو كافرين إن دخلوا الجنّة فهم مؤمنون وإن دخلوا النّار فهم كافرون قال والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ولو كانوا مؤمنين لدخلوا الجنّة كما دخلها المؤمنون ولو كانوا كافرين لدخلوا النّار كما دخلها الكافرون لكنّهم قد استوت حسناتهم وسيّئاتهم فقصرت بهم الأعمال وإنّهم لكما قال الله عزوجل الحديث إلى غير ذلك ممّا ورد من الأخبار في المستضعفين والمرجين لأمر الله وغيرهما (قوله) بقي الكلام في أنّه إذا لم يكتف بالظنّ إلخ لا يخفى أن المصنف رحمهالله وإن أشار إلى المراد من التّقليد المذكور في كلماتهم إلاّ أنّه لم يستوف جميع محتملاته فنقول إن المراد من التّقليد لما كان مشتبها ومحتملا لوجوه شتى فلا بد من ذكر محتملاته مفصّلة ثم نعقب كلاّ منها بحكمه فنقول إنّه يحتمل وجوها أحدها أن يكون مرادهم منه في المقام هو التّقليد المصطلح في الفروع من الأخذ بقول الغير من دون دليل وإن لم يورث قوله الظنّ بالواقع بل ومع الظنّ بخلافه ويؤيّده مقابلته في الأصول له في الفروع كما أشار إليه المصنف رحمهالله ولكن يرد عليه أوّلا إن ذلك غير معقول في الأصول إذ موضوع الأصول الاعتقاديّة هو نفس الاعتقاد وأدنى مرتبة الظنّ وهو لا يجتمع مع الشّكّ اللازم من تجويز التّقليد المصطلح في المقام وثانيا أنّ عدم الدليل عليه في المقام دليل على عدم جوازه بل أصالة بقاء الشّغل وما دلّ على عدم جواز العمل بما وراء العلم من الكتاب والسّنة خصوصا وعموما وما دل على وجوب تحصيل المعرفة بوجوده سبحانه كلّها دليل على المدّعى وثانيها أن يكون المراد هو عقد القلب على ذلك وترتيب آثار الاعتقاد عليه من الإقرار وإيقاع الأفعال على طبق اعتقاد الغير بمعنى أنّه إذا لم يحصل له الاعتقاد الجزمي يجب عليه عقد قلبه على ما اعتقده الغير ويلتزم بجميع آثار الاعتقاد ويرد عليه أنّه لا دليل على جواز الاقتصار على مثل ذلك أيضا إذ الباعث والمحرّك على معرفة وحدانيّته تعالى وغيرها من أصول العقائد إن كان هو العقل لأجل استقلاله على وجوب شكر النّعم أو لأجل احتماله للعقاب على تقدير المخالفة فلا ريب إن العقل لا يقنع بذلك بل هو طالب لمرتبة عليا فوق هذه المرتبة وهي مرتبة العلم واليقين وإن كان هو ما أشرنا إليه من الأدلّة فلا ريب أن مقتضاها تحصيل العلم لا الاقتصار بما ذكر وثالثها أن يكون المراد هو العمل بالظنّ كما حكاه المصنف رحمهالله عن شيخنا البهائي ولعلّه كذلك ولكن قد عرفت مما علقناه على كلام المصنف رحمهالله في الحواشي السّابقة عدم جواز العمل بالظن في أصول العقائد مطلقا سواء كان من الظّنون الخاصّة أو المطلقة ورابعها أن يكون المراد منه ما يحصل به العلم من دون استدلال بمعنى أن يكون نزاعهم في أنّه يجب الاستدلال البرهاني في الأصول أو يكفي مطلق الاعتقاد الجزمي وإن كان حاصلا من تقليد الآباء والأمّهات ولا يبعد أن يكون مرادهم في المقام ذلك كما يشهد به بعض ما نقله المصنف رحمهالله في المقام ولعلّه وفاقا للمصنف رحمهالله كاف في حصول الإيمان والتديّن بدين الإسلام لأنّ المحرّك على تحصيل المعرفة في الأصول كما عرفت إن كان هو العقل فلا شكّ في أن العقل لا يقضي بأزيد من تحصيل العلم من أيّ سبب حصل إذ وجوب الاستدلال عند العقل إنما هو من باب المقدّمة لتحصيل المعرفة فإذا حصلت من دون استدلال سقط وجوبه لا محالة وإن كان ما دل على وجوب تحصيل المعرفة في الأصول كتابا وسنّة فهي أيضا صادقة على ما ذكرناه إذ غايتها وجوب تحصيل العلم وهو حاصل بالفرض وإن لم يكن عن استدلال تفصيلي بل يمكن أن يقال إنّ العلم في كلّ مقام لا بدّ أن ينشأ من الاستدلال البرهاني غاية الأمر أنّه تارة يحصل من ترتيب مقدّمتين صغرى وكبرى على نحو ما عند العالم بطريق الاستدلال وأخرى يحصل من المقدّمتين المترتبتين في الطّبع إذ هيئة الشّكل الأوّل مع ما هو عليه من ترتيب مقدّميته على الوجه المعتبر مركوزة في نظر ذوي العقول بل في طباع البهائم أيضا على ما ذكره المحقق القمي رحمهالله غاية الأمر أن الجاهل بطريق الاستدلال يعجز عن ترتيب المقدّمتين بلسان المقال ولكنه متمكّن منه بلسان الحال ولذا لو كان العلم الحاصل للجاهل بطريق الاستدلال حاصلا للعالم بها لأمكن له ترتيب المقدّمتين كما إذا حصل له العلم بوحدانيّته تعالى من قول أبيه وأمّه لأنّه يمكن حينئذ أن يقال هذا مما قال به أبي وأمّي وكلما قال به أبي وأمّي فهو صدق في الواقع والصّغرى ثابتة بالوجدان والكبرى من حيث عدم احتمال الكذب والخطإ في قولهما وبالجملة أنه لا دليل من العقل والنقل على وجوب تحصيل الجزم المطابق للواقع الحاصل من البرهان التّفصيلي بل ولا على مطلق العلم الحاصل من البرهان الاصطلاحي لأنّ القدر الثّابت منهما كما عرفت هو تحصيل مطلق العلم ولو كان حاصلا من تقليد الآباء والأمّهات نعم لو كان من حصل له العلم كذلك ممن يحتمل عنده زوال جرمه بإلقاء الشبهات إليه من المخالف للحقّ وجب عليه حينئذ تحصيل المعرفة بطريق الاستدلال ورفع الشّبهات بالنّظر وطريق إقامة البرهان إذ العقل المحرّك لتحصيل المعرفة في الأصول لأجل حكمه بوجوب شكر المنعم وبوجوب دفع الضّرر المحتمل لا يقنع بالعلم المجامع لخوف