وأُجيب عنه : إنّ غاية ما يقتضيه أنّه إنّما لا يرجع إليه مطلقاً ، إلّا مع إذن مولاه ، فلا منافاة في البين ، فما ذكر أخصّ من المدّعى كما هو واضح ، وكذلك إذا كان ممّا يجب عليه الإفتاء فإنّه لا يشترط إذن مولاه ، كما في وجوب الصلاة والعبادات والضرورات العادية ، فلا يتعلّق بها حقّ المولى. وقيل : ليس له أهلية هذا المنصب الجليل ، إلّا أنّ ذلك مجرّد ادّعاء لا دليل عليه. وجلالة المنصب لا تمنع من نفوذ حكمه أو مطابقة العمل مع فتواه ، بعد كونه جامعاً لسائر الشرائط.
الوجه الثاني الأولويّة :
فقد اعتبر الحرية جملة من الأصحاب في باب القضاء ، بل حكيت الشهرة على اعتبار ذلك ، ونسب في المسالك إلى مذهب الأكثر ومنهم الشيخ وأتباعه ، قال : لأنّ للقضاء ولاية والعبد ليس محلّا لها ، لاشتغاله عنها باستغراق وقته لحقوق المولى ، ولأنّه من المناصب الجليلة التي لا تليق بحال العبد انتهى قوله.
ويلحق به الإفتاء لوحدة الملاك وللأولويّة.
وأُجيب عنه : لقد اختلف الأصحاب في اعتبارها في باب القضاء ، فقد قال المحقّق في الشرائع : وهل يشترط الحرّية؟ قال في المبسوط : نعم ، والأظهر أنّه ليس شرطاً ، وفي مختصر النافع : وفي اشتراط الحرية تردّد والأشبه أنّه لا يشترط. فإذا كانت الحريّة غير ظاهرة في القضاء فكيف بباب الإفتاء ، كما ربما يقال بالفرق بين البابين وبالاحتمال يبطل الاستدلال. فتأمّل.
وصفة العبودية لا تمنع في كثير من الأحكام إلّا ما خرج بالدليل كالحدود والديات وبعض أحكام العبادات.