حرمة التقليد في أُصول الدين
لقد أثبتنا في علم الأُصول أنّ الأمارات الشرعيّة تنزّل منزلة العلم ، والعلم مرآة الواقع ، فالخطاب الوارد في التنزيل يتوجّه إلى المرآتية ، هذا إنّما يتمّ في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة.
وأمّا العقائد فالمطلوب فيها هو اطمئنان النفس وعقد القلب ، فلا ينفع فيها فتوى المجتهد المبتنية على الأمارات ، بل يشترط في العقائد تحصيل العلم ليطمئنّ القلب ، ولو كان هذا العلم بمقدار استدلال العجوز والأعرابي بأنّ البعرة تدلّ على البعير ، فإنّ مثله يتيقّن بوجود الصانع والخالق ممّا يألفه ويعيش معه ، من دلالة البعرة على البعير.
فلا يجوز التقليد في أُصول الدين لمثل هذا السبب ، والروايات الدالّة على جوازه ، لا تعمّ الأُصول كما لا يخفى ، وهذا ما ذهب إليه المشهور أيضاً فقال بتحريم التقليد في أُصول الدين.
وقيل بجوازه ، وقيل بوجوبه وتحريم النظر والاجتهاد.
وإنّما يقال بالجواز بناء على أنّ الاعتقاد بأُصول الدين من أفعال القلب والجوانح ، فالتقليد فيها بمعنى عقد القلب بها ، بعد عقد العلم ، وهو عقد الموضوع بالمحمول ، ثمّ عقده بالقلب ويسمّى بالعقيدة والإيمان القلبي ، فالتقليد فيها يحصل من قول الغير ، فيكون بمعناه العرفي أي اتباع الغير.