مال ، كما في سائر الحقوق المالية ، وإن لم يكن لهما مال يتعلق الحق في الذمة ، ويكلفان بأدائه عند البلوغ والإفاقة. ومن هنا يعلم أنه لا عبرة بالتسبيب والمباشرة ، إذ لا أثر لهما في النصوص ، بل المدار على صدق النسبة عرفا ، كما ذكرناه ، ولعل السبب في اعتناء الأصحاب بهما والبحث عنهما هو ضبط المصاديق العرفية ، كما ينكشف ذلك بتتبع كلامهم في موارد الضمان ، في كتابي الغصب والديات.
من ذلك استدلالهم على تغريم من دفع غيره في بئر حفرها ثالث بأنه متلف ، وتغريم من أزال وكاء الظرف فسال ما فيه بصدق الإتلاف. والأشكال من بعضهم في تغريم من فتح رأس الزق فذاب ما فيه من الشمس فسال ، للشك في صدق الإتلاف.
وكذا لو فتحه ثم أطارته الريح فسقط ما فيه ، للشك أيضا في نسبة الإتلاف إلى الفاتح وحكمهم بالضمان ، فيما لو ألقي صبيا عاجزا أو حيوانا في مسبعة فقتله السبع ضمن ، لأن الإتلاف كان بسببه. وترددهم فيما لو اغتصب شاة فمات ولدها جوعا ، أو حبس مالك الماشية عن حراستها فاتفق تلفها ، للشك في إسناد التلف إلى الغاصب إلى غير ذلك من الفروع التي ذكروها .. وأنت بعد المراجعة تجزم بأن المعيار ما قلناه وأن مدار كلامهم عليه. ومن ذلك يعلم أن تغريمهم المكره (بالكسر) ما أتلفه المكره (بالفتح) مع سلب الإرادة منه ، على وجه يكون كالآلة لقوة السبب وضعف المباشر ليس إلا لإسناد الفعل والإتلاف عرفا إلى المكره (بالكسر). وينبغي التنبه إلى أن السبب والمباشر ليس لهما أثر في النصوص ، ليكونا عنوانين ، ويناط بهما الحكم. فالحكم بالضمان على المكره (بالكسر) آت على مقتضى القاعدة ، فلا وجه للتشكيك فيه وهذا بخلاف المغرور ، فإن اغتراره لا يسلبه الاختيار ولا يمنع من إسناد الفعل إليه غايته أن له أن يرجع بما ضمنه على الغار ، لقاعدة المغرور يرجع على من غره.
ثم اعلم أن الإتلاف كما يتعلق بالعين يتعلق بالمنفعة ، ويتحقق في المنفعة بتفويتها على المالك ، لو أقفل دارا ومنع أهلها من سكناها ، أو حبس دابة ومنع