قلت : إنّ الموضوع لوجوب الطاعة ، أو حرمة التمرّد هو البيان الواصل ، فلا يصدقان إلّا مع وصوله ، أمّا الظن بالحكم واحتماله ، فهما موضوعان لحسن الاحتياط ، فلا يحسن إلّا إذا كان هناك أحد الأمرين فيجب تمييز ما هو موضوع لوجوب الطاعة عمّا هو موضوع لحسن الاحتياط ، فالبيان الظني أو الاحتمالي موضوعان للثاني دون الأوّل. ولو كان البيان الاحتمالي كافياً في إتمام الحجّة لما تبرّأ منه سبحانه لوجوده في أكثر الناس قبل بعث الرسل.
فإن قلت : ما الفرق بين مقاصد العبد وأغراضه ، ومقاصد المولى وأغراضه ، فانّ سعي العبد لا يتحدد بصورة القطع بها بل يعمّ صورتي الظن والاحتمال ، فليكن سعي العبد وراء مقاصد المولى وأغراضه كذلك ، أفهل يمكن أن تكون مقاصد الشريعة ، أقل قيمة من أغراض العبد ، ولا يجب تحصيلها عند الظن والشك؟
قلت : لا شكّ انّ مقاصد الشريعة أولى وأفضل من المقاصد الدنيوية للعبد لكن الكلام في حد دائرة مسئولية العبد عند العقل ، فهل هو مسئول عن عامة مقاصد المولى وأغراضه سواء أكانت مقطوعة أم مظنونة أم مشكوكة ، أو هو مسئول عمّا قامت الحجّة عليه ، سواء أكان هناك غرض أم لا ، إنّ العقل الفطري يحكم بالثاني.
وإن شئت قلت : الواجب على العبد طاعة المولى فيما أمر ونهى ، وعدم التمرد ، حتى يدور في فلك العبودية ولا يخرج عن زيّ الرقية ، وصدق الطاعة أو التمرد ، فرع وجود موضوع لهما ولا موضوع إلّا إذا تمّ البيان من المولى.
نعم ربما يكون الاحتمال منجّزاً للواقع ، وباعثاً إلى الحركة نحو المحتمل ، فيما لو احتمل انّه لو كان للمولى غرض في المقام ، لما رضى بتركه ـ كما مرّ ـ وهو