النموذج الثاني : ليس في مال اليتيم زكاة : أحياناً يحمل الفقهاء لفظ الأمر لوجود القرينة في الروايات على معنى الاستحباب ، إلاّ أنّ المصنّف لم يؤمن بذلك واستدلّ استدلالاً عقليّاً بعدم وجوب أو استحباب الزكاة في مال اليتيم : بأنّ الزكاة كناية عن محو الذنوب ، وهو أمرٌ منتف في اليتيم لأنّه قاصر. واستدلّ استدلالاً شرعيّاً بعدم انطباق الرواية على المورد ، لأنّها جاءت تقيّةً. وهذا المنحى يؤيّد ما قاله في المقدّمة الثالثة بشأن لحن الخطاب وفحوى الخطاب ودليل الخطاب (١) ، ومرجعه إلى دلالة المفهوم موافقة أو مخالفة. لاحظ هنا منهج المصنّف في نقده لآراء الفقهاء في باب : هل يعتبر البلوغ والعقل في زكاة الغلاّت والمواشي؟ قال :
«ففي صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام أنّهما قالا : مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شيء ، فأمّا الغلاّت فإنّ عليها الصدقة الواجبة» (٢). قال في ردّه :
«أجاب عنها جملة من المتأخّرين بالحمل على الاستحباب ، وأيّده بعضهم بأنّ لفظ الوجوب في الأخبار أعمّ من المعنى المصطلح فإنّه كثيراً ما يرد بمعنى مجرّد الثبوت أو تأكّد الاستحباب ، فيجب حمل هذه الصحيحة
__________________
(١) أحد أدلّة العقل هو ما يتوقّف فيه الخطاب ، وهو ثلاثة :
أ ـ لحن الخطاب ، كقوله تعالى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَت) أراد : فضرب.
ب ـ فحوى الخطاب : وهو ما يدلّ عليه بالتنبيه ، كقوله تعالى : (وَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ).
ج ـ دليل الخطاب : وهو تعليق الحكم على أحد وصفي الحقيقة ، كقوله : (في سائمة الغنم الزكاة).
(٢) الحدائق الناضرة ١ / ١٨.