فذهاب الله بذلك
النور هو انقطاع المعية التي خصّ بها أولياءه ، فقطعها بينه وبين المنافقين ، فلم
يبق عندهم بعد ذهاب نورهم ولا معهم ، فليس لهم نصيب من قوله : ٩ : ٤٠ (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) ولا من ٢٦ : ٦٣ (كَلَّا ، إِنَّ مَعِي
رَبِّي سَيَهْدِينِ).
وتأمل قوله تعالى
: (أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) كيف جعل ضوءها خارجا عنه منفصلا؟ ولو اتصل ضوؤها به ولابسه
لم يذهب ، ولكنه كان ضوء مجاورة ، لا ملابسة ومخالطة. وكان الضوء عارضا والظلمة
أصلية. فرجع الضوء إلى معدنه وبقيت الظلمة في معدنها. فرجع كل منهما إلى أصله
اللائق به ، حجة من الله تعالى قائمة. وحكمة بالغة ، تعرّف بها إلى أولي الألباب
من عباده.
وتأمل قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ولم يقل بنارهم. ليطابق أول الآية. فإن النار فيها إشراق
وإحراق. فذهب بما فيها من الإشراق ـ وهو النور ـ وأبقى عليهم ما فيها من الإحراق ،
وهو النارية وتأمل كيف قال : «بنورهم» ولم يقل بضوئهم ، مع قوله : (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) لأن الضوء هو زيادة في النور. فلو قال : ذهب الله بضوئهم
لأوهم الذهاب بالزيادة فقط ، دون الأصل. فلما كان النور أصل الضوء كان الذهاب به
ذهابا بالشيء وزيادته.
وأيضا فإنه أبلغ
في النفي عنهم ، وأنهم من أهل الظلمات ، الذين لا نور لهم.
وأيضا فإن الله
تعالى سمّى كتابه نورا ، ورسوله نورا ، ودينه نورا ، ومن أسمائه النور ، والصلاة
نور ، فذهابه سبحانه بنورهم : ذهاب بهذا كله.
وتأمل مطابقة هذا
المثل لما تقدمه من قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا
مُهْتَدِينَ) كيف طابق بين هذه