والجواب أن لفظ الآية عام ، لكن الذى يظهر من لفظ الآية أنه لا يشهد إلا العدول ، فلا يشهد منها إلا خيارها ، والحكم هناك كالحكم هنا ؛ وقد قال : (مِمَّنْ (١) تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ). وأيضا قد ذكر فى حديث قوم نوح أنهم يقولون : كيف يشهد علينا من لم يحضرنا؟ فيقولون : يا ربنا ، أنزلت علينا كتابا فوجدنا فيه قصّتهم ، ثم يقرءون سورة نوح ؛ فهذا لا يكون جوابا إلا ممن له علم بالكتب ؛ وكثير من هذه الأمة [٢٧٣ ب] لا يعلمون من الكتاب شيئا ، ومن طريق النظر من هذه الأمة إذ ذاك فى نوع من أنواع العذاب كيف يستشهدون؟ وكيف تقبل لهم شهادة؟ فإذا كان العالم الذى لا يخفى عليه شىء لا يحكم بعلمه فيما بيننا فى ذلك اليوم ، فكيف بالغير؟ فيا أخا البطالة والتلويث لنفسك ، انتبه ، الحاكم قد زكاك وأنت بما ارتكبت من قبيح الأوصاف تجرح نفسك ، وبذلك تفرح ، فقد خضت بحار المهالك ، وعلى عقبك من الخير نكصت ، أعلمك بهذه الرتبة الرفيعة لعلك تحافظ عليها فتكون ممن يشهد إذ ذاك ، فأعرضت عن الشهادة على غيرك ، وتعرضت لشهادة جوارحك عليك! بئس ما استبدلت! وقد جاء أنّ أول من يساق للحساب الذى العرش على كاهله والعرق يتحدر على جبينه ؛ فيقول الله له : ما صنعت بعهدى؟ فيقول : يا رب ، بلّغته جبريل ، فيؤتى بجبريل ، فيقول له الحق جل جلاله : هل بلغك إسرافيل عهدى؟
فيقول : نعم ، فيخلّى حينئذ عن إسرافيل ، ويسأل جبريل فيقول عزوجل له : ما صنعت فى عهدى؟ فيقول : يا رب ، بلغته الرسل ؛ فيؤتى بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فيقول لهم : هل بلغكم جبريل عهدى؟ فيقولون :
__________________
(١) البقرة : ٢٨٢