قلت : المراد بالعلم في الآية الأولى العلم الكامل ، وهو العلم بالله وصفاته ، وبأنّ الهدى هدى الله ، فكان الأنسب ذكر «الذي» لكونه في التعريف أبلغ من «ما».
والمراد بالعلم في الثانية والثالثة العلم بنوع ، وهو في الثانية العلم بأنّ قبلة الله هي الكعبة ، وفي الثالثة الحكم العربي ، فكان الأنسب ذكر «ما».
ولقلّة النوع في الثانية بالنسبة إليه في الثالثة زيد قبل «ما» في الثانية «من» الدالّة على التبعيض. ا. ه (١).
فانظر رحمك الله إلى هذا الإعجاز العظيم ، حيث وضع كل حرف بموضعه الذي يناسب المعنى المساق له ، ولو غيّر حرف مكان آخر لذهبت فصاحة الآيات وبلاغتها.
ومن ذلك ما استشكله العلّامة الأديب المؤرّخ صلاح الدين الصفدي من قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ ، إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٢).
فكتب أبياتا إلى العلامة جمال الدين السبكي أخي تاج الدين السبكي يقول فيها :
فكّرت والقرآن فيه عجائب |
|
بهرت لمن أمسى له متدبّرا |
في هل أتى لم ذا أتى يا شاكرا |
|
حتى إذا قال الكفور تغيّرا |
فالشكر فاعله أتى في قلّة |
|
والكفر فاعله أتى مستكثرا |
فعلام ما جاءا بلفظ واحد |
|
إنّ التوازن في البديع تقرّرا |
لكنّها حكم يراها كلّ ذي |
|
لبّ وما كانت حديثا يفترى |
__________________
(١) انظر فتح الرحمن ، ص ٣٨.
(٢) سورة الإنسان : آية ٣.