تعرف البطحاء وطأته ، القصيدة».
وجعل هذا وأشباهه من المجاز بالحذف يوجب انحطاطه من ذروة البلاغة إلى حضيض الابتدال ـ وتجد تحقيق الحال في المجاز المركب مما ذكرنا أيضا ، فانك إذا قلت للمتردد «أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى» وعلمت ان مفرداتها لم تستعمل الا في معانيها الحقيقية وانه ليس للمركب وضع على حدة ، ليكون اجزائه بمنزلة حروف الهجاء في المفردات ليستعمل في معنى لم يوضع له ، تعرف انك لم تتفوه بهذا الكلام الا بعد ادعاء ذوقك ان هذا الرّجل المتردد المتحير شخص متمثل كذلك وان حاله وامره يتجلى في هذا المثل كأنه هو.
هذه قضاء الوجدان وشهادة الذوق السليم بل ما ذكرنا في المركبات من أقوى الشواهد على المدعى ، وبه يحفظ لطائف الكلام وجمال الأقوال في الخطب والإشعار وبذلك يستغنى عن كثير من المباحث الطفيف الفائدة مثل ان المجاز هل يحتاج إلى الرخصة من الواضع أولا و (ان وضع العلائق شخصي أو نوعي) ، لما قد عرفت من ان الاستعمال في جميع المجازات ليس إلّا في الموضوع له ، وان كان صحة الادعاء وحسن وقوعه امرا مربوطا بالذوق السليم.
في استعمال اللفظ في اللفظ
(اعلم) ان له أقساما «أولها» إطلاق اللفظ وإرادة شخصه ، والتحقيق انه من باب إيجاد صورة الموضوع في ذهن السامع لينتقل منه إلى نفس الموضوع ، لا من باب كون اللفظ دالا على نفسه ولا مستعملا في نفسه ـ وذلك لأن الحروف المتصرمة إذا صدرت عن المتكلم وتمت الكلمة وخلصت عن مقاطع فمه ، يحصل منها صورة في دهن السامع من قرع الهواء وتموجه في ناحية الصماخ حتى يمر ، عن الحس المشترك والخيال ويصل إلى النّفس ، وليس الموجود فيها عين الموجود في عالم الخارج عينا وشخصا وإلّا لانقلب الذهن خارجا و (ح) إذا حمل عليه ما يكون من خواص هذا اللفظ في الخارج وقام قرينة عليه يتوجه ذهنه من الصورة المتصورة إلى اللفظ الصادر أولا ـ والحاصل ان ذاك الموجود المتصرم يوجد في نفس السامع ما يصير حاكيا عنه في الآن المؤخر ، لا كحكاية اللفظ من معناه ، إذا الصورة الذهنية للفظ لم يوضع لها ذاك اللفظ.