قوله تعالى : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) أي : آلة الكيل ، أو سمي ما يكال به : بالكيل ؛ كالعيش : اسم لما يعاش به ، وكانت عادتهم التطفيف في المكيال والميزان ، فأمروا بإيفاء الكيل والميزان ونهوا عن البخس فقال : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ). يقال : بخسه حقّه ؛ إذا انتقصه (١).
وقيل : كانوا مكّاسين ، فنهوا عن ذلك بقوله : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ).
(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالكفر والجور والمعاصي ، (بَعْدَ إِصْلاحِها) أي : بعدما أصلح فيها الأنبياء وأتباعهم القائمون مقامهم بإحياء العدل ، وإماتة الجور ، ونشر ألوية الشرع.
والإضافة في قوله : " بعد إصلاحها" على الوجه المذكور كالإضافة في قوله : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] ، يريد : بل مكركم في الليل والنهار.
وقيل : المعنى : بعد إصلاح أهلها ، على حذف المضاف.
(ذلِكُمْ) إشارة إلى ما ذكر من إيفاء الكيل والميزان ، وترك البخس والإفساد في الأرض.
وقيل : إشارة إلى ما تقدم ذكره مما أمروا به من العبادة وغيرها ونهوا عنه.
(خَيْرٌ لَكُمْ) لما يستلزم من صلاح دنياكم وآخرتكم.
وقيل : ذلكم الوفاء ، وترك البخس والفساد ، خير لكم ؛ لأن من اتصف بهذا الوصف رزق ظاهرا وغالبا حسن الذّكر ، وجميل الأحدوثة ، فرغب في معاملته ثقة بأمانته. وهو قول محتمل ، إلا أن قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يأباه ؛ لأن جميل
__________________
(١) انظر : اللسان (مادة : بخس).