هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) فسّرناه في سورة الأنعام (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) في كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد ، وقد يجب الشيء أيضا بالنذر والعهد به وان لم يجب إبتداء وإنما يجب عند العقد (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) عنه للجزاء عليه (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ) أي أتمّوه ولا تبخسوا منه ، وأوفوا الناس حقوقهم إذا كلتم عليهم (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ) وهو الميزان صغر أم كبر (الْمُسْتَقِيمِ) الذي لا بخس فيه ولا غبن (ذلِكَ خَيْرٌ) أي خير ثوابا (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) أي وأحسن عاقبة في الآخرة ومرجعا.
٣٦ ـ ٤٠ ـ ثم قال سبحانه (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ومعناه : لا تقل سمعت ولم تسمع ، ولا رأيت ولم ترى ولا علمت ولم تعلم ، عن ابن عباس وقتادة ، وقيل معناه : لا تقل في قفا غيرك كلاما ، أي إذ مرّ بك فلا تغتابه ، عن الحسن ، وقيل : هو شهادة الزور ، عن محمد بن الحنفية ، والأصل أنه عام في كل قول وفعل أو عزم يكون على غير علم ، فكأنه سبحانه قال : لا تقل إلّا ما تعلم أنه مما يجوز أن يقال ، ولا تفعل إلّا ما تعلم انه مما يجوز أن تفعل ، ولا تعتقد إلّا ما يجوز أن يعتقد ، وقد استدل جماعة من أصحابنا بهذا على أن العمل بالقياس وبخبر الواحد غير جائز لأنهما لا يوجبان العلم ، وقد نهى الله سبحانه عن اتباع ما هو غير معلوم (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) معناه : ان السمع يسأل عما سمع ، والبصر عما رأى ، والقلب عما عزم عليه ذكر سبحانه السمع والبصر والفؤاد والمراد ان أصحابها هم المسؤولون ولذلك قال : (كُلُّ أُولئِكَ) قال رسول الله (ص): لا يزول قدم عبد يوم القيامة بين يدي الله عزوجل حتى يسأله عن أربع خصال عمرك فيما أفنيته ، وجسدك فيما أبليته ، وما لك من أين كسبته وأين وضعته ، وعن حبنا أهل البيت (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) معناه : لا تمش على وجه الأشر والبطر والخيلاء والتكبر (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) هذا مثل ضربه الله تعالى قال : إنك أيها الإنسان لن تشق الأرض من تحت قدمك بكبرك ، ولن تبلغ الجبال بتطاولك وإنما قال ذلك لأن من الناس من يمشي في الأرض بطرا يدق قدميه عليها ليري بذلك قدرته وقوته ، ويرفع رأسه وعنقه ، فبيّن سبحانه انه ضعيف مهين لا يقدر أن يخرق الأرض بدق قدميه عليها حتى ينتهي إلى آخرها ، وان طوله لا يبلغ طول الجبال وان كان طويلا ، علّم الله سبحانه عباده التواضع والمروة والوقار (كُلُّ ذلِكَ) إشارة إلى جميع ما تقدم ذكره مما نهى الله سبحانه عنه في هذه الآيات (كانَ سَيِّئُهُ) أي معصيته (عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) له سبحانه يكرهها ولا يريدها ولا يرضاها (ذلِكَ) الذي تقدّم ذكره من الأوامر والنواهي (مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ) يا محمد (مِنَ الْحِكْمَةِ) المؤدية إلى المعرفة بالحسن والقبح والفرق بينهما (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) في اقرارك وقولك ، والخطاب للنبي (ص) والمراد به غيره ليكون أبلغ في الزجر كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (فَتُلْقى) أي فتطرح ، بمعنى أنك إذا فعلت ذلك القيت وطرحت (فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً) يلومك الناس (مَدْحُوراً) أي مطرودا مبعدا عن رحمة الله تعالى (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) هذا خطاب لمن جعل الملائكة بنات الله تعالى ومعناه : أخلصكم الله سبحانه بالبنين وخصّكم بهم واتخذ لنفسه الإناث وجعل البنات مشتركة بينهم وبينه واختصكم بالأرفع ، وجعل لنفسه الادون (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) أي كبيرا في الإثم واستحقاق العقوبة حيث أضفتم إلى الله سبحانه ما لم ترضوا لأنفسكم به وجعلتم الملائكة وهم أعلى خلق الله وأشرفهم أدون خلق الله وهم الأناث.
٤١ ـ ٤٤ ـ ثم احتج سبحانه على الذين تقدّم ذكرهم فقال (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) أي كرّرنا الدلائل ، وفصّلنا المعاني والأمثال