ويأتي بها البغيبغ الذي لا تناله يده ، ـ والبغيبغ (١) : ماء قريب من اليد ـ فيشدّ ضفته بطرف العصا فيستقي ، ويتعب الراعي فيتكىء عليها ، فيزيل تعبه فيجعلها على كتده ، وبين وايلتي كتفيه فيجعل بدنه عليها ، ويمشي فكأنّه محمول ، ثم يأتي منزله فيجعلها كالوتد فيعلّق عليها ثيابه.
ثم يكسر العصا فيجعل منه أوتادا ، ثم يكسر الأوتاد فيجعل منه أخشبة ، ثم تبلى الأخشبة وتتكسر فيأخذ دقاقها فيجعل أخلّة (٢) ، ثم يأخذ البواقي فيجعله توادي (٣) ، ثم تتفتت التوادي فتصير فتاتا ، فيسمون ذلك الفتات أوقاصا.
فإذا تعسّرت النار واشتعالها قيل له : وقّص على نارك ، فيلقي عليها من تلك الأوقاص ، فتشتعل حتى ترى لها كالحيّة. أي : لسانا.
وأنشد على هذا :
٧٣٦ ـ أقسم بالبيت العتيق والصّفا |
|
أنّك خير من تفاريق العصا (٤) |
__________________
(١) قال ابن منظور : والبغيبغ : البئر القريب الرشاء. ابن الأعرابي : بئر بغبغ وبغيبغ : قريب الرشاء. قال الشاعر :
يا ربّ ماء لك بالأجبال |
|
أجبال سلمى الشّمّخ الطّوال |
بغيبغ ينزع بالعقال |
|
طام عليه ورق الهدال |
(٢) قال في اللسان : والخلّة : كل نبت له أصل في الأرض يبقى عصمة للنّعم إذا أجدبت السنة ، وهي العلقة عند العرب.
(٣) قال الأزهري : وأمّا التوادي فواحدتها تودية ، وهي الخشبات التي تشدّ على أخلاف الناقة إذا صرّت لئلا يرضعها الفصيل.
(٤) البيت لغنية الأعرابية ، قالته لابنها وكان كثير التلفت إلى الناس مع ضعف أسر ، ودقة عظم ، فواثب يوما فتى ، فقطع الفتى أنفه ، فأخذت غنية دية أنفه ، فحسنت حالها بعد فقر مدقع ، ثم واثب آخر فقطع أذنه ، فأخذت ديتها ، فزادت حسن حال ، ثم واثب آخر فقطع شفته ، فأخذت الدية ، فلما رأت ما صار عندها من الإبل والغنم والمتاع ، وذلك من كسب جوارح ابنها حسن رأيها فيه ، وذكرته في أرجوزتها. ١٧٣. ـ