وكان بلوغ القلب الحناجر منه كما قال زهير :
٩١٦ ـ يصّعد من خوفها الفؤاد فما |
|
يرقد بعض الرّقاد صاحبها (١) |
وقيل : معنى «بلغت» : كادت تبلغ ، إذ القلب لو زال عن موضعه لمات صاحبه.
ـ وأفسد ابن الأنباري هذا التأويل ، وقال : كاد لا يضمر البتة (٢) ، ولو جاز إضماره لجاز : قام زيد بمعنى : كاد يقوم ، فيصير تأويل «قام زيد» : لم يقم زيد.
ـ والتأويل صحيح غير فاسد.
لأنّ إضمار «كاد» أكثر من أن يحصى ، ولكنّه بحسب الموضع المحتمل ، ودلالة الكلام.
__________________
(١) ليس في ديوانه طبع دار صادر.
وهو في شرح ديوانه لثعلب ص ٢٦٥ ؛ من قصيدة رواها أبو عمرو الشيباني ، وهي متهمة عند المفضل.
(٢) ـ قال السيد المرتضى في أمالية : وجدت أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري يطعن على جواب من أجاب في قوله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) بأنّ معناه : كادت تبلغ الحناجر ، ويقول : «كاد» لا تضمر ، ولا بدّ أن يكون منطوقا بها ، ولو جاز ضميرها لجاز : قام عبد الله ، بمعنى كاد عبد الله يقوم ، فيكون تأويل : قام عبد الله : لم يقم عبد الله ؛ لأنّ معنى : كاد عبد الله يقوم : لم يقم. ـ وهذا الذي ذكره غير صحيح ، ونظنّ أنّ الذي حمله على الطعن في هذا الوجه حكايته له عن ابن قتيبة ، لأنّ من شأنه أن يردّ كلّ ما يأتي به ابن قتيبة وإن تعسف في الطعن عليه. والذي استبعده غير بعيد ، لأنّ «كاد» يضمر في مواضع يقتضيها بعض الكلام ، وإن لم تكن في صريحه ، ألا ترى أنهم يقولون : أوردت على فلان من العتاب والتوبيخ والتقريع ما مات عنده وخرجت نفسه ، ولّما رأى فلان فلانا لم يبق فيه روح ، وما أشبه ذلك. ومعنى جميع ما ذكرناه المقاربة ، ولا بدّ من إضمار كاد فيه ، وقال جرير :
إنّ العيون التي في طرفها حور |
|
قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا |
وإنما المعنى أنهن كدن يقتلننا ، وهذا أكثر في الشعر والكلام من أن نذكره. راجع أمالي المرتضى ١ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥.