تخصيص العام بالمفهوم
لا ريب في أن مناط التخصيص إنما هو لأجل تقديم القرينة على ذي القرينة ، والأظهر على الظاهر ، وهذا مما اتفق عليه أهل اللسان في جميع الملل والأزمان ، ومهما تحقق هذا المناط يصح التقديم بلا كلام ، سواء كان بين المنطوقين أم المفهومين ، أم بين المنطوق والمفهوم ، وسواء كان المفهوم موافقا أم مخالفا. ولا إشكال في تحققه في مفهوم الموافق الذي هو عبارة عن موافقة المفهوم مع منطوقه في الإيجاب والسلب ، لقوة المفهوم حينئذ ، لكونه من الحكم القطعي ، سواء كان بينه وبين العام الذي يخصص به عموم مطلق ، أو من وجه.
وكذا في المفهوم المخالف الذي هو عبارة من مخالفة المفهوم مع منطوقه فيهما إن ثبت كونه أقوى من العام ، مثل ما إذا كانت دلالة المفهوم وضعية ودلالة العام بمقدمات الحكمة ، أو كانت الأقوائية مستندة إلى جهات اخرى ـ داخلية كانت أو خارجية ـ ولا تضبطها ضابطة كلية ، ويمكن أن يجعل النزاع في هذا البحث لفظيا ، فمن أثبت تخصيص العام بالمفهوم يثبته في ما إذا ثبتت الأقوائية ، ومن ينفيه إنما ينفيه في ما لم تثبت ، فلا ثمرة عملية في هذا النزاع بعد ثبوت كلية الكبرى وإمكان إرجاع النزاع إلى الصغرى.
الاستثناء المتعقب لجمل متعددة
إذا تعقب الاستثناء جملا متعددة ، كقوله تعالى : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ... .