يكرِّر (١) ذلكَ مِراراً ، فقلنا له : نَنْشُدُكَ اللّهَ في نفسِكَ وأهلِ بيتِكَ إلّا انصرفتَ من مكانِكَ هذا ، فإِنّه ليسَ لكَ بالكوفةِ ناصرٌ ولا شيعةٌ ، بل نَتخوّفُ أن يكونوا عليكَ. فنظرَ إِلى بني عقيلٍ فقالَ : «ماتَرَوْنَ؟ فقد قتِلَ مسلمٌ» فقالوا : واللهِّ لا نَرجعُ حتّى نُصيبَ ثأْرَنا أَو نذوقَ ما ذاقَ ، فأقبلَ علينا الحسينُ عليهالسلام وقالَ : «لا خيرَ في العيشِ بعدَ هؤلاءِ» فعلمْنا أنّه قد عزمَ رأْيَه على المسيرِ ، فقلنا له : خارَ اللّهُ لكَ ، فقالَ : «رحمَكُما اللّهُ». فقالَ له أصحابُه : إِنّكَ واللّهِ ما أَنتَ مثل مسلمِ ابن عقيل ، ولو قدمتَ الكوفةَ لكانَ النّاسُ إِليكَ أسرعَ. فسكتَ ثمّ انتظرَ حتّى إِذا كانَ السّحرُ قالَ لفتيانِه وغلمانِه : «اكْثِرُوا منَ الماءِ» فاسْتَقَوْا وأكْثَرُوا ثمّ ارتحلوا ، فسارَ حتّى انتهى إِلى زُبالةَ (٢) فأَتاه خبرُ عبدِاللّهِ بنِ يَقْطُرَ ، فأخرجَ إِلى النّاسِ كتاباً فقرأه عليهم (٣) :
«بسم اللّهِ الرّحمنِ الرّحميمِ
أمّا بعدُ : فإِنّه قد أتانا خبرٌ فظيعٌ قَتْلُ مسلمِ بنِ عقيلٍ ، وهانيِ بنِ عُروةَ ، وعبدِاللّهِ بنِ يَقْطُرَ ، وقد خَذَلَنا شيعتُنا ، فمن أحبَّ منكم الانصرافَ فلينصرفْ غيرَحَرِجٍ ، ليسَ عليه ذمامُ»
فتفرّقَ النّاسُ عنه وأخذوا يميناً وشمالاً ، حتّى بقيَ في أصحابِه
__________________
(١) في «م» وهامش «ش» : يردّد.
(٢) زبالة : منزل بطريق مكة من الكوفة. «معجم البلدان ٣ : ١٢٩».
(٣) رواه الطبري في تاريخه ٥ : ٣٩٧ ، والخوارزمي في مقتل الحسين عليهالسلام ١ : ٢٢٨ ، وذكره أبو الفرج في مقاتله : ١١٠ مختصراً ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٤ : ٣٧٢.