ولمّا أرادَ الحسينُ عليهالسلام التّوجُّهَ إلى العراقِ ، طافَ بالبيتِ وسعى بينَ الصّفا والمروةِ ، وأحلَّ من إِحرامِه وجعلَها عُمرةً ، لأنّه لم يتمكّنْ من تمامِ الحجِّ مخافةَ أن يُقبَضَ عليه بمكّةَ فيُنفَذَ إِلى يزيد بن معاويةَ ، فخرجَ عليهالسلام مُبادِراً بأهلِه وولدِه ومنِ انضمَّ إِليه من شيعتِه ، ولم يكنْ خبرُ مسلمٍ قد بلغَه لخروجِه يومَ خروجِه على ما ذكرْناه.
فروِيَ عن الفَرَزْدَقِ الشّاعرِ أنّه قالَ : حَجَجْتُ بأُمِّي في سنةِ سِتِّينَ ، فبينا أنا أسوقُ بعيرَها حينَ دخلتُ الحرمَ إِذ لقيتُ الحسينَ بنَ عليٍّ عليهماالسلام خارجاً من مكّةَ معَه أسيافُه وتِراسُه (١) فقلتُ : لمن هذا القِطارُ؟ فقيلَ : للحسينِ بنِ عليٍّ ، فأتيتُه فسلّمتُ عليه وقلتُ له : أعطاكَ اللّهُ سُؤْلَكَ وأمَلَكَ فيما تُحبُّ ، بأبي أنتَ وأُمِّي يا ابنَ رسولِ اللّهِ ، ما أعجلَكَ عنِ الحجِّ؟ فقالَ : « لو لم أعْجَلْ لأخِذْتُ» ثمّ قالَ لي : «مَنْ أنتَ؟» قلتُ : امرؤٌ منَ العربِ ، فلا واللّهِ ما فتّشَني عن أكثرَ من ذلكَ ، ثمّ قالَ لي : «أخبِرْني عنِ النّاسِ خلفَكَ» فقلتُ : الخبيرَسألْتَ ، قلوبُ النّاسِ معَكَ وأسيافُهم عليكَ ، والقضاءُ ينزلُ منَ السّماءِ ، واللهُّ يفعلُ ما يشاءُ ، فقالَ : «صدقتَ ، للّهِ الأمرُ ، وكلَّ يومٍ ربنُّا هو في شَأْنٍ ، ( إِنْ نزلَ القضاءُ ) (٢) بما نُحِبُ فنحمدُ اللّهَ على نعمائه ، وهو المُستعان على أداءِ الشُّكرِ ، وان حالَ القضاءُ دونَ الرّجاءِ ، فلم يُبْعِدْ مَنْ كانَ الحقُّ نيّتَه والتّقوى سريرتَه» فقلتُ له : أجل ، بلّغَكَ اللّهُ ما تُحبُّ وكفاكَ ما تحذرُ ، وسألتُه
__________________
(١) تِراس : جمع ترس ، وهو ما يستتربه المقاتل من عدوه في الحرب ، انظر «الصحاح ـ ترس ـ ٩١٠ :٣».
(٢) في هامش «ش» : ان ينزل القضاء.