والقرآن يتكلم عن الكتابة المتقوشة (كِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ)(١) ، وقد ذكر الشعراء الجاهليون فى مواضع كثيرة الجلود والرقاع التى يكتب عليها ، ويحكى أن المعلقات السبع أو العشر كتبت على الجلود «أو البردى» وعلقت فى جوف الكعبة ، وكل هذا يثبت استعمال الجلود أو «البردى» وأنه كان منتشرا فى مكة والمدينة والجزيرة العربية بصفة عامة.
ولو عارض أحد فى قصة أن زيد بن ثابت قد جمع القرآن من قطع الورق والأحجار ، وسعف النخيل ، وعظام وأكتاف الإبل ، وعظام وأذرع الماشية وجلودها ، فإننى أرد بأن ذلك يشبه الوثائق التى تساعد فى تجميع نص معين حتى لا يندثر ، وهذا بالضبط مشابه لما نفعله اليوم بعمل طبعة محققة على مخطوطات كاملة ، فنجمعها مع الاستشهادات والأوراق المبعثرة .. الخ.
فيما يتعلق بالتقسيم الثلاثى للعهد المكى فيجب أن نشير إلى أن هذا ليس فقط ما ذهب إليه. ح. ويل ثم نولدكه هم أول من زعمه ، ولكنه مقترح أيضا من أحد أقدم علماء المسلمين وهو أبو القاسم الحسن بن محمد ابن حبيب النيسابورى فى كتابه «التنبيه إلى أفضل العلوم القرآن» حيث يقول : «إن احدى أشرف العلوم القرآنية هو نزوله ، ومواضعه وترتيب ما نزل بمكة ابتدائه ووسطه ونهايته ، وترتيب ما نزل بالمدينة «ذكره الزركشى فى البرهان فى علوم القرآن (١) ص (١٩٢) القاهرة (١٩٥٧ م) ط. محمد أبو الفضل إبراهيم» إذا ففضل السبق فى الترتيب الثلاثى لسور العهد المكى يعود لقول أبى القاسم الحسن النيسابورى وليس إلى ويل أو نولدكه ، فقط يبدوا أن أبو الحسن النيسابورى أو الزركشى قد ذكره فى الفصل التالى ولكنه لم يميز فى عده للسور فى الترتيب التاريخى للسور المكية بين الفترات الثلاث التى ذكرها ص (١٩٣) وجاء ترتيبه كالآتى : «أول سورة نزلت بمكة هى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) «العلق» ثم (ن وَالْقَلَمِ) «القلم» ، ثم (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) «المزمل» وهو يعد (٨٥) سورة مكية ثم بعد (٩) سورة مدنية أولها البقرة
__________________
(١) سورة الطور ، آية (٢ ـ ٣).