عن أحد ذنبا. (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) (٤٠) في الآخرة فيميز حسنه من سيئه. (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) (٤١) ، أي : المستكمل لجميع العمل : الحسن الخالص بالحسنى ، والسيّء الخالص بالسّوأى ، والمشوب بحسبه. جزاء تقرّ بعد له وإحسانه الخليقة كلها ، وتحمد الله عليه ، حتى إن أهل النار ليدخلون النار ، وإن قلوبهم مملوءة من حمد ربهم ، والإقرار له بكمال الحكمة ومقت أنفسهم ، وأنهم الذين أوصلوا أنفسهم ، وأوردوها شر الموارد.
[٣٩] وقد استدل بقوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٣٩) ، فوصول سعي غيره إليه ، مناف لذلك ، وفي هذا الاستدلال نظر ، فإن الآية إنما تدل على أنه ليس للإنسان إلا ما سعى بنفسه ، وهذا حق لا خلاف فيه ، وليس فيها ما يدل على أنه لا ينتفع بسعي غيره ، إذا أهداه ذلك الغير إليه ، كما أنه ليس للإنسان من المال ، إلا ما هو في ملكه وتحت يده ، ولا يلزم من ذلك ، أن لا يملك ما وهبه الغير له ، من ماله الذي يملكه.
[٤٢] وقوله : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) (٤٢) ، أي : إليه تنتهي الأمور ، وإليه تصير الأشياء والخلائق ، بالبعث والنشور ، وإلى الله المنتهى في كلّ حال ، فإليه ينتهي العلم ، والحكمة ، والرحمة ، وسائر الكمالات.
[٤٣] (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) (٤٣) ، أي : هو الذي أوجد أسباب الضحك والبكاء ، وهو الخير والشر ، والفرح والسرور ، والهم والحزن ، وهو سبحانه له الحكمة البالغة في ذلك.
[٤٤] (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) (٤٤) ، أي : هو المنفرد بالإيجاد والإعدام ، والذي أوجد الخلق ، وأمرهم ونهاهم ، سيعيدهم بعد موتهم ، ويجازيهم بتلك الأعمال الّتي عملوها في دار الدنيا.
[٤٥] (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ) فسرهما بقوله : (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) ، وهذا اسم جنس شامل لجميع الحيوانات ، ناطقها وبهيمها ، فهو المنفرد بخلقها.
[٤٦] (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) (٤٦) وهذا من أعظم الأدلة على كمال قدرته وانفراده بالعزة العظيمة ، حيث أوجد تلك الحيوانات ، صغيرها وكبيرها من نطفة ضعيفة من ماء مهين ، ثمّ نماها وكملها ، حتى بلغت ما بلغت ، ثمّ صار الآدمي منها ، إما إلى أرفع المقامات في أعلى عليين ، وإما إلى أدنى الحالات في أسفل سافلين.
[٤٧] ولهذا استدل بالبداءة على الإعادة ، فقال : (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) (٤٧) فيعيد العباد من الأجداث ، ويجمعهم ليوم الميقات ، ويجازيهم على الحسنات والسيئات.
[٤٨] (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) (٤٨) ، أي : أغنى العباد بتيسير أمر معاشهم من التجارات ، وأنواع المكاسب ، من الحرف وغيرها ، وأقنى ، أي : أفاد عباده من الأموال ، بجميع أنواعها ، ما يصيرون به مقتنين لها ، ومالكين لكثير من الأعيان ، وهذا من نعمه تعالى أن أخبرهم أن جميع النعم منه ، وهذا يوجب على العباد أن يشكروه ، ويعبدوه وحده لا شريك له.
[٤٩] (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) (٤٩) وهو النجم المعروف بالشعرى العبور ، المسماة بالمرزم ، وخصها الله بالذكر ، وإن كان هو رب كلّ شيء ، لأن هذا النجم مما عبد في الجاهلية ، فأخبر تعالى أن جنس ما يعبد المشركون ، مربوب مدبر مخلوق ، فكيف يتخذ مع الله آلهة.
[٥٠] (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) (٥٠) وهم قوم هود عليهالسلام ، حين كذبوا هودا ، فأهلكهم الله بريح صرصر عاتية.
[٥١] (وَثَمُودَ) قوم صالح عليهالسلام ، أرسله الله إلى ثمود فكذبوه ، فبعث الله إليهم الناقة آية ، فعقروها وكذبوه ، فأهلكهم الله. (فَما أَبْقى) منهم أحدا ، بل أبادهم عن آخرهم.
[٥٢] (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) (٥٢) من هؤلاء الأمم ، فأهلكهم الله وأغرقهم.
[٥٣] (وَالْمُؤْتَفِكَةَ) وهم قوم لوط عليهالسلام (أَهْوى) ، أي : أصابهم الله بعذاب ، ما عذب به أحدا من العالمين ، قلب أسفل ديارهم أعلاها ، وأمطر عليهم حجارة من سجيل ، ولهذا قال :
[٥٤] (فَغَشَّاها ما غَشَّى) (٥٤) ، أي : غشيها من العذاب الأليم الوخيم ، ما غشى ، أي : شيء عظيم ، لا يمكن وصفه.
[٥٥] (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) (٥٥) ، أي : فبأي نعم الله وفضله تشك أيها الإنسان؟ فإن نعم الله ظاهرة لا تقبل الشك بوجه من الوجوه ، فما بالعباد من نعمة ، إلا منه تعالى ، ولا يدفع النقم إلا هو.
[٥٦] (هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) (٥٦) أي : هذا الرسول