قد تلقوها بالرحب ، وانشراح الصدر ، منقادين لما أمر الله به ، بالامتثال على أكمل الوجوه. ولما نهى عنه ، بالانزجار عنه لله ، على أكمل وجه ، فإن الذين أعطاهم الله من الأوامر والنواهي هو أفضل العطايا ، التي حقها ، أن تتلقى بالشكر لله عليها ، والانقياد. والمعنى الأول ، ألصق بسياق الكلام ، لأنه ذكر وصفهم في الدنيا ، وأعمالهم بقوله : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) الوقت الذي وصلوا به إلى النعيم (مُحْسِنِينَ). وهذا شامل لإحسانهم بعبادة ربهم ، أن يعبدوه كأنهم يرونه ، فإن لم يكونوا يرونه ، فإنه يراهم ، وللإحسان إلى عباد الله ببذل النفع والإحسان ، من مال ، أو علم ، أو جاه ، أو نصيحة ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو غير ذلك من وجوه البر ، وطرق الخيرات. حتى إنه يدخل في ذلك ، الإحسان بالقول ، والكلام اللين والإحسان إلى المماليك ، والبهائم المملوكة ، وغير المملوكة.
[١٧] ومن أفضل أنواع الإحسان في عبادة الخالق ، صلاة الليل ، الدالة على الإخلاص ، وتواطؤ القلب واللسان ، ولهذا قال : (كانُوا) ، أي : المحسنون (قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) ، أي : كان هجوعهم ، أي : نومهم بالليل ، قليلا. وأما أكثر الليل ، فإنهم قانتون لربهم ، ما بين صلاة ، وقراءة ، وذكر ، ودعاء ، وتضرع.
[١٨] (وَبِالْأَسْحارِ) التي هي قبيل الفجر (هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الله تعالى. فمدوا صلاتهم إلى السحر ، ثم جلسوا في خاتمة قيامهم بالليل ، يستغفرون الله تعالى ، استغفار المذنب لذنبه ، وللاستغفار بالأسحار فضيلة وخصيصة ليست لغيره ، كما قال تعالى في وصف أهل الإيمان والطاعة : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ).
[١٩] (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ) واجب ومستحب (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ، أي : للمحتاجين الذين يطلبون من الناس ، والذين لا يسألونهم.
[٢٠] يقول تعالى ـ داعيا عباده إلى التفكر والاعتبار ـ : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (٢٠) ، وذلك شامل لنفس الأرض ، وما فيها من جبال ، وبحار وأنهار ، وأشجار ونبات ، تدل المتفكر فيها ، المتأمل لمعانيها ، على عظمة خالقها ، وسعة سلطانه ، وعميم إحسانه ، وإحاطة علمه ، بالظواهر والبواطن. وكذلك في نفس العبد من العبر والحكمة والرحمة ما يدل على أن الله واحد صمد ، وأنه لم يخلق الخلق سدى.
[٢٢] وقوله : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) ، أي : مادة رزقكم من الأمطار ، وصنوف الأقدار ، الرزق الديني ، والدنيوي. (وَما تُوعَدُونَ) من الجزاء في الدنيا والآخرة ، فإنه ينزل من عند الله كسائر الأقدار.
[٢٣] فلما بين الآيات ونبه عليها تنبيها ، ينتبه به الذكي اللبيب ، أقسم تعالى على أن وعده وجزاءه حق ، وشبه ذلك بأظهر الأشياء لنا ، وهو النطق ، فقال : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٢٣). فكما أنكم لا تشكون في نطقكم ، فكذلك ينبغي أن لا يعتريكم الشك في البعث والجزاء.
[٢٤] يقول تعالى : (هَلْ أَتاكَ) ، أي : أما جاءك (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) ، ونبأهم الغريب العجيب ، وهم الملائكة الذين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط ، وأمرهم بالمرور على إبراهيم ، فجاءوه في صورة أضياف.
[٢٥] (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ) مجيبا لهم (سَلامٌ) ، أي : عليكم (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ، أي : أنتم قوم منكرون ، فأحب أن تعرفوني بأنفسكم ، ولم يعرفهم إلا بعد ذلك.
[٢٦] (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) ، أي : ذهب سريعا في خفية ، ليحضر لهم