يقال له : «آصف بن برخيا» كان يعرف اسم الله الأعظم ، الذي إذا دعا الله به أجاب ، وإذا سأل به أعطي ، (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) بأن يدعو الله بذلك الاسم ، فيحضر حالا ، وأنه دعا الله فحضر. فالله أعلم ، هل هذا هو المراد ، أم أن عنده علما من الكتاب ، يقتدر به على جلب البعيد ، وتحصيل الشديد؟ (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) حمد الله تعالى على إقداره وملكه ، وتيسير الأمور له ، (قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) أي : ليختبرني بذلك. فلم يغتر عليهالسلام ، بملكه ، وسلطانه ، وقدرته ، كما هو دأب الملوك الجاهلين. بل علم أن ذلك اختبار من ربه فخاف أن لا يقوم بشكر هذه النعمة. ثم بيّن أن هذا الشكر ، لا ينتفع الله به ، وإنما يرجع نفعه إلى صاحبه ، فقال : (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) غني عن أعماله ، كريم ، كثير الخير ، يعم به الشاكر والكافر ، إلا أن شكر نعمه ، داع للمزيد منها ، وكفرها ، داع لزوالها.
[٤١] ثم (قالَ) لمن عنده (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) أي : غيروه بزيادة ونقص ، ونحن في ذلك (نَنْظُرْ) مختبرين لعقلها (أَتَهْتَدِي) للصواب ، ويكون عندها ذكاء وفطنة تليق بملكها (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ).
[٤٢] (فَلَمَّا جاءَتْ) قادمة على سليمان ، عرض عليها عرشها ، وكان عهدها به ، قد خلفته في بلدها. و (قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ) أي : أنه استقر عندنا ، أن لك عرشا عظيما ، فهل هو كهذا العرش ، الذي أحضرناه لك؟ (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) وهذا من ذكائها وفطنتها ، لم تقل «هو» لوجود التغيير فيه والتنكير ، ولم تنف أنه هو ، لأنها عرفته. فأتت بلفظ محتمل للأمرين ، صادق على الحالين. فقال سليمان متعجبا من هدايتها وعقلها ، وشاكرا لله ، أن أعطاه أعظم منها. (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) أي : الهداية ، والعقل ، والحزم ، من قبل هذه الملكة. (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) وهي الهداية النافعة الأصلية. ويحتمل أن هذا من قول ملكة سبأ «وأوتينا العلم عن ملك سليمان وسلطانه ، فزيادة اقتداره ، من قبل هذه الحالة ، التي رأينا فيها قدرته ، على إحضار العرش ، من المسافة البعيدة ، فأذعنا له ، وجئنا مسلمين له خاضعين لسلطانه».
[٤٣] قال الله تعالى : (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : عن الإسلام وإلا فلها من الذكاء والفطنة ، ما به تعرف الحق من الباطل ، ولكن العقائد الباطلة ، تذهب بصيرة القلب (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) فاستمرت على دينهم. وانفراد الواحد عن أهل الدين ، والعادة المستمرة بأمر ، يراه بعقله من ضلالهم وخطئهم ، من أندر ما يكون ، فلهذا لا يستغرب بقاؤها على الكفر. ثم إن سليمان أراد ، أن ترى من سلطانه ، ما يبهر العقول ، فأمرها أن تدخل الصرح ، وهو المجلس المرتفع المتسع ، وكان مجلسا من قوارير ، تجري تحته الأنهار.
[٤٤] (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) ماء ، لأن القوارير شفافة ، يرى الماء الذي تحتها ، كأنه بذاته ، يجري ، ليس دونه شيء. (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) لتخوضه ، وهذا أيضا من عقلها ، وأدبها ، فإنها لم تمتنع من الدخول