على الوجه الذي ينبغي ، من غير ضرر ولا ضرار ، وهذا من عدلهم واقتصادهم.
[٦٨ ـ ٦٩] (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) بل يعبدونه وحده ، مخلصين له الدين ، حنفاء ، مقبلين عليه ، معرضين عما سواه. (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) وهو نفس المسلم ، الكافر المعاهد ، (إِلَّا بِالْحَقِ) كقتل النفس بالنفس ، وقتل الزاني المحصن ، والكافر الذي يحل قتله. (وَلا يَزْنُونَ) بل يحفظون فروجهم (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ). (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي : الشرك بالله ، أو قتل النفس ، التي حرم الله بغير حق ، أو الزنا ، فسوف (يَلْقَ أَثاماً). ثمّ فسره بقوله : (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ) أي : في العذاب (مُهاناً). فالوعيد بالخلود ، لمن فعلها كلها ، ثابت لا شك فيه ، وكذا لمن أشرك بالله. وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه الثلاثة ، لكونها ، إما شرك ، وإما من أكبر الكبائر. وأما خلود القاتل والزاني في العذاب ، فإنه لا يتناوله الخلود ، لأنه قد دلت النصوص القرآنية ، والسنة النبوية ، أن جميع المؤمنين سيخرجون من النار ، ولا يخلد فيها مؤمن ، ولو فعل من المعاصي ما فعل. ونص تعالى على هذه الثلاثة ، لأنها أكبر الكبائر : فالشرك ، فيه فساد الأديان ، والقتل ، فيه فساد الأبدان ، والزنا ، فيه فساد الأعراض.
[٧٠] (إِلَّا مَنْ تابَ) عن هذه المعاصي وغيرها ، بأن أقلع عنها في الحال ، وندم على ما مضى له من فعلها ، وعزم عزما جازما أن لا يعود. (وَآمَنَ) بالله إيمانا صحيحا ، يقتضي ترك المعاصي ، وفعل الطاعات. (وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) مما أمر به الشارع ، إذا قصد به وجه الله. (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) أي : تتبدل أفعالهم ، التي كانت مستعدة لعمل السيئات ، تتبدل حسنات. فيتبدل شركهم إيمانا ، ومعصيتهم طاعة ، وتتبدل نفس السيئات ، التي عملوها ، ثمّ أحدثوا عن كل ذنب منها توبة ، وإنابة ، وطاعة ، تبدل حسنات ، كما هو ظاهر الآية. وورد في ذلك ، حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه ، فعدّدها عليه ، ثمّ أبدل مكان كل سيئة حسنة فقال : «يا رب إن لي سيئات لا أراها هاهنا» والله أعلم. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لمن تاب ، يغفر الذنوب العظيمة (رَحِيماً) بعباده ، حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بالعظائم ، ثمّ وفقهم لها ، ثمّ قبلها منهم.
[٧١] (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) (٧١) أي : فليعلم أن توبته ، في غاية الكمال ، لأنها رجوع إلى الطريق الموصل إلى الله ، الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه ، فليخلص فيها ، وليخلّصها من شوائب الأغراض الفاسدة. فالمقصود من هذا ، الحث على تكميل التوبة ، واتباعها على أفضل الوجوه وأجلها ، ليقدم على من تاب إليه ، فيوفيه أجره ، بحسب كمالها.
[٧٢] (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) أي : لا يحضرون الزور ، أي : القول والفعل المحرم ، فيجتنبون جميع المجالس ، المشتملة على الأقوال المحرمة ، أو الأفعال المحرمة ، كالخوض في آيات الله ، والجدال الباطل ، والغيبة ، والنميمة ، والسب ، والقذف ، والاستهزاء ، والغناء المحرم ، وشرب الخمر ، وفرش الحرير ، والصور ، ونحو ذلك.