[٧] هذا من مقالة المكذبين للرسول ، الذين قدحوا في رسالته ، وهو : أنهم اعترضوا بأنه ، هلا كان ملكا أو ملكا ، أو يساعده ملك ، ف : (قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ) أي : ما لهذا الذي ادعى الرسالة؟ تهكما منهم واستهزاء. (يَأْكُلُ الطَّعامَ) وهذا من خصائص البشر ، فهلا كان ملكا ، لا يأكل الطعام ، ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر. (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) للبيع والشراء ، وهذا ـ بزعمهم ـ لا يليق بمن يكون رسولا ، مع أن الله قال : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ). (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ) أي : هلا أنزل معه ملك يساعده ويعاونه. (فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) وبزعمهم أنه غير كاف للرسالة ، ولا بطوقه وقدرته القيام بها.
[٨] (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) أي : مال مجموع من غير تعب. (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) فيستغني بذلك عن مشيه في الأسواق لطلب الرزق. (وَقالَ الظَّالِمُونَ) حملهم على القول ، ظلمهم لا اشتباه منهم. (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) هذا ، وقد علموا كمال عقله ، وحسن حديثه ، وسلامته من جميع المطاعن.
[٩] ولما كانت هذه الأقوال منهم ، عجيبة جدا ، قال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) وهي : هل كان ملكا ، وزالت عنه خصائص البشر؟ أو معه ملك ، لأنه غير قادر على ما قال ، أو أنزل عليه كنز ، أو جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الأسواق ، أو أنه كان مسحورا. (فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) قالوا : أقوالا متناقضة ، كلها جهل ، وضلال ، وسفه ، ليس في شيء منها هداية ، بل ولا في شيء منها أدنى شبهة ، تقدح في الرسالة. فبمجرد النظر إليها وتصورها ، يجزم العاقل ببطلانها ، ويكفيه عن ردها. ولهذا أمر تعالى بالنظر إليها ، وتدبرها ، والنظر : هل توجب التوقف عن الجزم للرسول بالرسالة والصدق؟ ولهذا أخبر أنه قادر على أن يعطيه خيرا كثيرا في الدنيا فقال :
[١٠] (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) أي : خيرا مما قالوا ، ثمّ فسره بقوله : (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) مرتفعة مزخرفة ، فقدرته ومشيئته ، لا تقصر عن ذلك ، ولكنه تعالى ـ لما كانت الدنيا عنده في غاية البعد والحقارة ـ أعطى منها أولياءه ورسله ، ما اقتضته حكمته منها. واقتراح أعدائهم بأنهم ، هلا رزقوا منها رزقا كثيرا جدا ، ظلم وجراءة.
[١١] ولما كانت تلك الأقوال ، التي قالوها ، معلومة الفساد ، وأخبر تعالى أنها لم تصدر منهم لطلب الحقّ ، ولا لاتباع البرهان ، وإنّما صدرت منهم تعنتا وظلما ، وتكذيبا بالحق ، قالوا ما في قلوبهم من ذلك ، ولهذا قال : (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) ، والمكذب المتعنت ، الذي ليس له قصد في اتباع الحقّ ، لا سبيل إلى هدايته ، ولا حيلة في مجادلته وإنّما له حيلة واحدة ، وهي نزول العذاب به ، فلهذا قال : (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) أي : نارا عظيمة ، قد اشتد سعيرها ، وتغيظت على أهلها ، واشتد زفيرها.
[١٢] (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي : قبل وصولهم ، ووصولها إليهم (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً) عليهم (وَزَفِيراً) تقلق منهم الأفئدة ، وتتصدع القلوب ، ويكاد الواحد منهم ، يموت خوفا منها ، وذعرا ، قد غضبت عليهم ، لغضب خالقها ، وقد زاد لهبها ، لزيادة كفرهم وشرهم.
[١٣] (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ) أي : وقت عذابهم ، وهم في وسطها ، جمع في مكان بين ضيق المكان ، وتزاحم السكان وتقرينهم بالسلاسل والأغلال. فإذا وصلوا لذلك المكان النحس ، وحبسوا في أشر حبس (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) دعوا على أنفسهم بالثبور ، والخزي والفضيحة ، وعلموا أنهم ظالمون معتدون ، قد عدل فيهم الخالق ، حيث أنزلهم بأعمالهم هذا المنزل ، وليس ذلك الدعاء والاستغاثة بنافعة لهم ، ولا مغنية من عذاب الله.
[١٤] بل يقال لهم : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) (١٤) أي : لو زاد ما قلتم أضعاف أضعافه ، ما أفادكم إلا الهم ، والغم ، والحزن.
[١٥] لما بين جزاء الظالمين ، ناسب أن بذكر جزاء المتقين فقال : (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ) إلى (وَعْداً مَسْؤُلاً). أي :