وحصنوه ، وزخرفوه ، فحين جاءهم أمر الله ، لم يغن عنهم شيئا ، وأصبح خاليا
من أهله ، قد صاروا عبرة لمن اعتبر ، ومثالا لمن فكر ونظر.
[٤٦] ولهذا دعا
الله عباده إلى السير في الأرض ، لينظروا ، ويعتبروا فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) بأبدانهم وقلوبهم (فَتَكُونَ لَهُمْ
قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) آيات الله ويتأملون بها من مواقع عبره. (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) أخبار الأمم الماضين ، وأنباء القرون المعذبين ، وإلا فمجرد
نظر العين ، وسماع الأذن ، وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار ، غير مفيد ،
ولا موصل إلى المطلوب. ولهذا قال : (فَإِنَّها لا تَعْمَى
الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ، أي : هذا العمى الضار في الدين ، عمى القلب عن الحق ،
حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الأعمى المرئيات ، وأما عمى البصر ، فغايته بلغة ،
ومنفعة دنيوية.
[٤٧] أي :
يتعجلك هؤلاء المكذبون بالعذاب ، لجهلهم ، وظلمهم ، وعنادهم وتعجيزا لله ، وتكذيبا
لرسله ، ولن يخلف الله وعده ، فما وعدهم به من العذاب ، لا بد من وقوعه ، ولا يمنعهم
منه مانع. وأما عجلته ، والمبادرة فيه ، فليس ذلك إليك يا محمد ، ولا يستفزنك
عجلتهم وتعجيزهم إيانا. فإن أمامهم ، يوم القيامة ، الذي يجمع فيه أولهم وآخرهم ،
ويجازون بأعمالهم ، ويقع بهم العذاب الدائم الأليم ، ولهذا قال : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ
سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) من طوله ، وشدته ، وهوله ، فسواء أصابهم عذاب في الدنيا
، أم تأخر عنهم العذاب ، فإن هذا اليوم ، لا بد أن يدركهم. ويحتمل أن المراد : أن
الله حليم ، ولو استعجلوا العذاب ، فإن يوما عنده ، كألف سنة مما تعدون. فالمدة ،
وإن تطاولتموها ، واستبطأتم فيها نزول العذاب ، فإن الله يمهل المدد الطويلة ، ولا
يهمل ، حتى إذا أخذ الظالمين بعذابه ، لم يفلتهم.
[٤٨] (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ
لَها) أي : أمهلتها مدة طويلة (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أي : مع ظلمهم ، فلم يكن مبادرتهم بالظلم ، موجبا لمبادرتنا
بالعقوبة. (ثُمَّ أَخَذْتُها) بالعذاب (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي : مع عذابها في الدنيا ، سترجع إلى الله ، فيعذبها
بذنوبها. فليحذر هؤلاء الظالمون ، من حلول عقاب الله ، ولا يغتروا بالإمهال.
[٤٩] يأمر
تعالى عبده ورسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم أن يخاطب الناس جميعا ، بأنه رسول الله حقا ، مبشر
للمؤمنين بثواب الله ، منذر للكافرين والظالمين ، من عقابه. وقوله : (مُبِينٌ) أي : بين الإنذار ، وهو التخويف ، مع الإعلام بالمخوف ،
وذلك لأنه أقام البراهين الساطعة ، على صدق ما أنذرهم به.
[٥٠] ثم ذكر
تفصيل النذارة ، والبشارة فقال : (فَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لما حصل منهم من الذنوب. (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) هي الجنة. والكريم من كلّ نوع : ما يجمع فضائله ويجوز
كمالاته. وحاصل معنى الآية. فالذين آمنوا بالله ورسوله واستقر ذلك الإيمان بقلوبهم
حتى أصبح إيمانا صاقا وعملوا الأعمال الصالحة لهم مغفرة من الله لذنوبهم التي
وقعوا فيها ، كما أن لهم رزقا كريما في الجنة ، جمع هذا الرزق جميع الفضائل
والكمالات.
[٥١] (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا
مُعاجِزِينَ) أي : سابقين أو مسابقين في زعمهم وتقديرهم طامعين أن
كيدهم