عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) : فلذلك أذهب عقولهم ، وفرغ قلوبهم ، وملأها من الفزع ، وبلغت القلوب الحناجر ، وشخصت الأبصار ، وفي ذلك اليوم ، لا يجزي والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. ويوم (يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) ... (٣٦) (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) ... (١٣) (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٧). وهناك يعض الظالم على يديه ، يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ، وتسود حينئذ وجوه وتبيض وجوه. وتنصب الموازين ، التي يوزن بها مثاقيل الذر ، من الخير والشر ، وتنشر صحائف الأعمال ، وما فيها من جميع الأعمال والأقوال ، والنيات ، من صغير وكبير ، وينصب الصراط على متن جهنم ، وتزلف الجنة للمتقين ، وبرزت الجحيم للغاوين. إذا رأتهم من مكان بعيد ، سمعوا لها تغيظا وزفيرا ، وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين ، دعوا هنالك ثبورا ، ويقال لهم : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) (١٤) ، وإذا نادوا ربهم ، ليخرجهم منها ، (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١٠٨). قد غضب عليهم الرب الرحيم وحضرهم العذاب الأليم ، وأيسوا من كل خير ، ووجدوا أعمالهم كلها ، لم يفقدوا منها نقيرا ولا قطميرا. هذا ، والمتقون في روضات الجنات يحبرون ، وفي أنواع اللذات يتفكهون ، وفيما اشتهت أنفسهم خالدون. فحقيق بالعاقل ، الذي يعرف أن كل هذا أمامه ، أن يعدّ له عدّته ، وأن لا يلهيه الأمل ، فيترك العمل ، وأن تكون تقوى الله شعاره ، وخوفه دثاره ، ومحبة الله ، وذكره ، روح أعماله.
[٣] أي : ومن الناس طائفة وفرقة ، سلكوا طريق الضلال ، وجعلوا يجادلون بالباطل الحقّ. يريدون إحقاق الباطل ، وإبطال الحقّ ، والحال ، أنهم في غاية الجهل ما عندهم من العلم شيء ، وغاية ما عندهم ، تقليد أئمة الضلال ، من كل شيطان مريد ، متمرد على الله وعلى رسله ، معاند لهم ، قد شاقّ الله ورسوله ، وصار من الأئمة الّذين يدعون إلى النار.
[٤] (كُتِبَ عَلَيْهِ) أي : قدر على هذا الشيطان المريد (أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ) أي : اتبعه (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) عن الحقّ ، ويجنبه الصراط المستقيم (وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ). وهذا نائب إبليس حقا ، فإن الله قال عنه : (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ). فهذا الذي يجادل في الله ، قد جمع بين ضلاله بنفسه ، وتصديه إلى إضلال الناس ، وهو متبع ، ومقلد لكل شيطان مريد ، ظلمات بعضها فوق بعض ، ويدخل في هذا ، جمهور أهل الكفر والبدع ، فإن أكثرهم مقلدة ، يجادلون بغير علم.
[٥] يقول تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) أي : شك واشتباه ، وعدم علم بوقوعه ، مع أن الواجب عليكم ، أن تصدقوا ربّكم ، وتصدقوا رسله في ذلك ، ولكن إذا أبيتم إلّا الريب ، فهاكم دليلين عقليين ، تشاهدونهما ، كل واحد منهما ، يدل دلالة قطعية على ما شككتم فيه ، ويزيل عن قلوبكم الريب. أحدهما : الاستدلال بابتداء خلق الإنسان ، وأن الذي ابتدأه ، سيعيده فقال فيه : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) وذلك بخلق أبي