[١٣] (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) أي : تخيرتك واصطفيتك من الناس ، وهذه أكبر نعمة ومنة أنعم الله بها عليه ، تقتضي من الشكر ، ما يليق بها ، ولهذا قال : (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) أي : ألق سمعك للذي أوحي إليك فإنه حقيق بذلك ، لأنه أصل الدين ومبدؤه ، وعماد الدعوة الإسلامية.
[١٤] ثم بين الذي يوحيه إليه بقول : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) أي : الله المستحق الألوهية المتصف بها ، لأنه الكامل في أسمائه ، وصفاته ، المنفرد بأفعاله ، الذي لا شريك له ، ولا مثيل ، ولا كفو ولا سميّ. (فَاعْبُدْنِي) بجميع أنواع العبادة ، ظاهرها وباطنها ، أصولها وفروعها ، ثم خص الصلاة بالذكر وإن كانت داخلة في العبادة ، لفضلها وشرفها ، وتضمنها عبودية القلب ، واللسان ، والجوارح. وقوله : (لِذِكْرِي) اللام للتعليل أي : أقم الصلاة لأجل ذكرك إياي ، لأن ذكره تعالى ، أجل المقاصد ، وبه عبودية القلب ، وبه سعادته ، فالقلب المعطل عن ذكر الله ، معطل عن كل خير ، وقد خرب كل الخراب ، فشرع الله للعباد ، أنواع العبادات ، التي ، المقصود منها ، إقامة ذكره وخصوصا ، الصلاة. قال تعالى : (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) ، أي : ما فيها من ذكر الله أكبر من نهيها عن الفحشاء والمنكر ، وهذا النوع يقال له توحيد الإلهية ، وتوحيد العبادة ، فالألوهية ، وصفه تعالى ، والعبودية ، وصف عبده.
[١٥] (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) أي : لا بد من وقوعها (أَكادُ أُخْفِيها) ، أي : عن نفسي كما في بعض القراءات ، كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) وقال : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ، فعلمها ، قد أخفاه عن الخلائق كلهم ، فلا يعلمها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل. والحكمة في إتيان الساعة (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) من الخير والشر ، فهي الباب لدار الجزاء (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى).
[١٦] أي : فلا يصدنك ويشغلك عن الإيمان بالساعة ، والجزاء ، والعمل لذلك ، من كان كافرا بها ، غير معتقد لوقوعها. يسعى في الشك فيها ، والتشكيك ، ويجادل فيها ، بالباطل ، ويقيم من الشبه ، ما يقدر عليه ، متبعا في ذلك هواه ، ليس قصده الوصول إلى الحق ، وإنما قصاراه ، اتباع هواه ، فإياك أن تصغي إلى من هذه حاله ، أو تقبل شيئا ، من أقواله وأعماله الصادة عن الإيمان بها والسعي لها سعيها ، وإنما حذر الله تعالى عمن هذه حاله ، لأنه من أخوف ما يكون على المؤمن بوسوسته وتدجيله ، وكون النفوس مجبولة على التشبه ، والاقتداء بأبناء الجنس ، وفي هذا تنبيه وإشارة إلى التحذير ، عن كل داع إلى باطل ، يصد عن الإيمان الواجب ، أو عن كماله ، أو يوقع الشبهة في القلب ، وعن النظر في الكتب ، المشتملة على ذلك ، وذكر في هذا ، الإيمان به ، وعبادته ، والإيمان باليوم الآخر ، لأن هذه الأمور الثلاثة ، أصول الإيمان ، وركن الدين ، وإذا تمت تم أمر الدين ، ونقصه أو فقده بنقصها ، أو نقص شيء منها. وهذه نظير قوله تعالى في الإخبار عن ميزان سعادة الفرق ، الّذين أوتوا الكتاب وشقاوتهم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢). وقوله : (فَتَرْدى) أي : تهلك وتشقى ، إن اتبعت طريق من يصد عنها.
[١٧ ـ ١٨] وقوله تعالى : (وَما تِلْكَ) إلى (مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى). لما بين الله لموسى أصل الإيمان ، أراد أن يبين له ، ويريه من آياته ، ما يطمئن به قلبه ، وتقر به عينه ، ويقوى إيمانه ، بتأييد الله له على عدوه فقال : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (١٧) هذا ، مع علمه تعالى ، ولكن لزيادة الاهتمام في هذا الموضع ، أخرج الكلام بطريق الاستفهام. فقال موسى : (هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي) ذكر فيها ، هاتين المنفعتين ، منفعة لجنس الآدمي ، وهو أنه يعتمد عليها في قيامه ومشيه ، فيحصل فيها معونة ، ومنفعة للبهائم ، وهو أنه كان يرعى الغنم ، فإذا رعاها في شجر الخبط ونحوه ، هش بها ، أي : ضرب الشجر ، ليتساقط ورقه ، فيرعاه الغنم. هذا الخلق الحسن من موسى عليهالسلام ، الذي من آثاره ، حسن رعاية الحيوان البهيم ،