المؤتمن ، ووكيله بمنزلته ؛ فلو دفعها لغير ربها ، لم يكن مؤديا لها. (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء ، والأموال ، والأعراض ، القليل من ذلك ، والكثير ، على القريب ، والبعيد ، والفاجر ، والولي ، والعدو. والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به ، هو ما شرعه الله على لسان رسوله ، من الحدود والأحكام ، وهذا يستلزم معرفة العدل ، ليحكم به. ولما كانت هذه أوامر حسنة عادلة ، قال : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) وهذا مدح من الله لأوامره ونواهيه لاشتمالها على مصالح الدارين ، ودفع مضارهما ، لأن شارعها السميع البصير ، الذي لا تخفى عليه خافية ، ويعلم من مصالح العباد ، ما لا يعلمون.
[٥٩] ثم أمر بطاعته وطاعة رسوله ، وذلك بامتثال أمرهما ، الواجب والمستحب ، واجتناب نهيهما. وأمر بطاعة أولي الأمر ، وهم : الولاة على الناس ، من الأمراء ، والحكام ، والمفتين ، فإنه لا يستقيم للناس ، أمر دينهم ودنياهم ، إلا بطاعتهم والانقياد لهم ، طاعة لله ، ورغبة فيما عنده. ولكن بشرط ، أن لا يأمروا بمعصية الله ، فإن أمروا بذلك ، فلا طاعة لمخلوق ، في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل ، عند الأمر بطاعتهم ، وذكره مع طاعة الرسول. فإن الرسول ، لا يأمر إلا بطاعة الله ، ومن يطعه ، فقد أطاع الله. وأما أولو الأمر ، فشرط الأمر بطاعتهم ، أن لا يكون معصية. ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه ؛ من أصول الدين وفروعه ، إلى الله والرسول ، أي : إلى كتاب الله وسنّة رسوله ؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية ، إما بصريحهما ، أو عمومهما ؛ أو إيماء ، أو تنبيه ، أو مفهوم ، أو عموم معنى ، يقاس عليه ما أشبهه. لأن كتاب الله وسنّة رسوله ، عليهما بناء الدين ، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما ، فالرد إليهما ، شرط في الإيمان ، فلهذا قال : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة ، بل مؤمن بالطاغوت ، كما ذكر في الآية بعدها. (ذلِكَ) أي : الرد إلى الله ورسوله (خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) فإن حكم الله ورسوله ، أحسن الأحكام وأعدلها ، وأصلحها للناس ، في أمر دينهم ، ودنياهم ، وعاقبتهم.
[٦٠] يعجب تعالى عباده ، من حالة المنافقين. (الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا) بما جاء به الرسول وبما قبله.
ومع هذا (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) وهو كل من حكم بغير شرع الله فهو طاغوت. والحال أنهم (قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) فكيف يجتمع هذا الإيمان؟ فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من الأمور. فمن زعم أنه مؤمن ، واختار حكم الطاغوت على حكم الله ، فهو كاذب في ذلك. وهذا من إضلال الشيطان إياهم ، ولهذا قال : (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) عن الحق.
[٦٢] (فَكَيْفَ) يكون حال هؤلاء الضالين (إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من المعاصي ، ومنها تحكيم الطاغوت؟ (ثُمَّ جاؤُكَ) معتذرين لما صدر منهم ، و (يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) أي : ما قصدنا في ذلك إلا الإحسان إلى المتخاصمين والتوفيق بينهم ، وهم كذبة في ذلك. فإن الإحسان ، تحكيم الله